· عتبة أولى ..
" خسئت روحي، فانزلقت للإجرام بخطى واثقة " (ص:7) ..
هل أتابع أم أحجم وأتراجع ؟
انطلاقة مثيرة، قوية، صادمة.. تجعلك تقف، تلتفت، تتساءل..رغم ذلك تندفع إلى الأمام قارئا مستمتعا، تلتقط أنفاسك وأنت في بداية المسير..
هذه الجُرأة، وهذا الاندفاع يُخفي أمامه الكثير، كأنه بداية القطر.. " خسئت روحي " ويندفع شلال حكي صادم، صادق، قوي يحمل الكثير من الألم والجراح الذي على امتداد الرواية يُخندق أبطالها في خانات ضيقة، مظلمة، تفوح منها روائح الدناءة والخسة لتسمهم بجراح عميقة تطفو إلى السطح كلما حان وقت التذكر ليسيل على جوانبه الدم والصديد..
إميل حبيبي.. سيل الحكايات ـ فخري صالح
يمثل عمل أميل. حبيبي(1) تيارا أساسيا في الرواية العربية المعاصرة, نوعا من تهجين الشكل الروائي الأوروبي بعناصر سردية, وغير سردية, مجتلبة من التراث العربي و الحكايات الشعبية وأشكال السرد الشفوي، وسيلته للخروج من قبضة الشكل السردي الخطي الذي استطاع نجيب محفوظ في ثلاثيته, وعدد آخر من رواياته التي تنتمي الى الخمسينات أن يعتصره ويقيم منه عمارته الروائية. لكن إميل حبيبي،على قلة ما أنتج من أعمال روائية, استطاع منذ كتب عمله شبه الروائي الأول «سداسية الأيام الستة " أن يقيم بناء عمله الروائي عل مواد متنوعة متغايرة وان يشكل عادته السردية في دوائر متقاطعة: حكاية تجر الى حكاية بحيث ينسى القاريء الحكاية الأولى إذ ينجرف مع سيل الحكايات التي تذكر بأسلوب الف ليلة وليلة في الافضاء بقارئها الى سلسلة الحكايات التي تؤدي الواحدة منها الى الأخرى. والمتابع لأعمال إميل حبيبي عل مدار الأعوام العشرين الماضية سيجد أن الكاتب الفلسطيني الكبير لم يتخل في أي عمل من أعماله عن أسلوبه الذي بلغ ذروته في "المتشائل" والذي استطاع من خلاله شق طريق جديدة للرواية العربية.
مظفر النوّاب : الصانع الأمهر ـ د. حسين سرمك حسن
قلت كثيرا أن المبدع الجبار هو من يمسك بإحكام بالإجابة الشافية على سؤالين حاسمين : الأول هو الرؤية (بالتاء المربوطة) ، أما الثاني فهو الرؤيا ( بالألف الممدودة) . الرؤية تتعلق بسؤال مركزي هو : كيف أكتب ؟ أي ( التقنية )، أما الرؤيا فتتعلق بالسؤال المركزي الآخر وهو : لماذا أكتب ؟ (الفلسفة أو الموقف الوجودي من الابداع أو ببساطة الجدوى من كتابة الشعر) ، ووسط الأزبال التي كتمت أنفاس الحبيب يقف مظفر فوق أطروحات الرؤية والرؤيا على حد سواء ، يجمعهما في تعبير بسيط ومركب وشديد الأذى :
(( أگولن گاعي وأعرفها
أگولن گاعي ،
يتنفس بريتي ترابها .......
وحبها ... وبصلها ....والشمس ... والطين..
باعوني عليها
وخضّرت عيني بدمعها
وماني بايعها ))
تمظهرات قلق الموت المبكر في شعر عيسى حسن الياسري ـ د. حسين سرمك حسن
من السمات الغالبة على الموقف الشعري النفسي للشاعر عيسى حسن الياسري هو القلق من الموت – death anxiety ، وهو قلق مبكر أيضا يجعل الفرد أحيانا يرثي ذاته حيّاً ، لأنه يحيا تحت مطارق قناعة أكيدة بالفناء الوشيك . وفي أغلب القصائد تجد هذا القلق يشتعل عند حصول مخاطر التهديد بالإنفصال عن الرحم الأمومي الحاني حتى لو كان الخطاب موجها إلى المعشوقة في الظاهر :
( في هذا الليل الموحل
كيف أكون بعيدا عنك
ولا يملكني الموت
فأملك وجهك
ثم أفصّل من كفني
علما للمدن المهزومة
وثيابا لعراة الأرض – ص 22 )
حوار مع الكاتبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط ـ أجرى الحوار : الدكتورعبد القادر محمدي
1- كل من تعرف على سيرتك الذاتية يشعر أن فاطمة الزهراء المرابط كائن إنساني مفرد بصيغة الجمع، أود أن أسألك عن هذا السر، كيف حصل هذا التواطؤ الخلاق ومع من تم تشكيل هذه التجربة المتميزة؟
ليس هناك أي سر، دعاني القلم يوما فلبيت الدعوة، حتى أني لا أذكر متى اقترفت حرفي الأول، ربما عندما تواطأت مع شروق وغروب الشمس، مع البحر والحقول الخضراء، مع الحروف والكتب الجميلة التي كانت تزين مكتبة والدي آنذاك، من هنا تشكلت تجربتي الإبداعية ومن هنا احترقت بسحر الكتابة وغوايتها.
2- ما هي أهم المصادر التي ساهمت في تشكيل متخيلك الإبداعي والثقافي، ولمن تقرئين مغربيا وعربياً وعالمياً؟
من الصعب تحديد مصادر معينة، لأن المصادر كثيرة ومتشعبة وأغلبها لا علم لي بتأثيرها على تشكيل متخيلي الإبداعي والثقافي. وأعتبر الكتاب، السفر، العمل الجمعوي، التواصل مع المبدعين، التجارب الحياتية، والاحتكاك بقضايا المجتمع، مصادر ساهمت في صقل تجربتي الإبداعية وتطويرها. ويتصدر الكتاب لائحة هذه المصادر، إذ قرأت لعدة أسماء مغربية وعربية وعالمية في مختلف الأجناس الأدبية والفلسفية والفكرية والتاريخية، وأذكر منها على سبيل المثال، مغربيا لـ: محمد شكري، الطاهر بنجلون، عبد الكريم غلاب، محمد زفزاف، أحمد بوزفور، خناثة بنونة... وعربيا لـ: نجيب محفوظ، عبد الرحمن منيف، جبران خليل جبران، نوال السعداوي، محمود درويش، نزار قباني، أمين معلوف... وعالميا لـ: غابرييل غارسيا ماركيز، باولو كويلو، أغاثا غريستي، شارل، بودلير، أرنست همنغواي، فيكتور هوكو،... وأسماء أخرى كان لها وقع كبير في تجربتي الإبداعية.
عين على كتاب : هوامش لذاكرة العين لصاحبه بوجمعة العوفي ـ سعيدة الرغيوي
تقديم : "إن الكتابة في نظري لا ينبغي أن تنطلق من فراغ ،فالكتابة التي لا تؤثثها ذاكرة واعية يظل صاحبها يبصم حروفه في فراغ"، وإذا كان الأمر كذلك فلنسافر مع "بوجمعة العوفي"[1] في كتابه "هوامش لذاكرة العين "[2] وننأى بأنفسنا بعيدا على رهانات السياسة ، وفلسفة المتفلسفين.
إن الإبداع الفني المتكامل يفرض علينا التيه والإبحار في مساحاته الممتدة امتداد العين المُستكشفة لخباياه ولعوالمه التي نوفق أو نخيب في الوقوف على معانيها ..
إن الفن الراقي هو الذي يجعل المبدع يطل على المتلقي / المشاهد بلوحات ممتاحة من الواقع..هذا الواقع الذي يتوزع بين الوجوه و الأمكنة والأزمنة التي تؤثث حيوات الإنسان ..فتبدو حينا زفرات صعبة تستحث الفنان أن يغوص في أعماقها ليستشف حقيقتها / حقائقها ..إن ذات الفنان/ المبدع تتماهى مع العمل الفني وتتوحد.
ولما كانت الحواس هي البوابة التي من خلالها نستكشف الأشياء والموجودات،،فإن العين تظل نافذتنا على العالم والمحيط .ومن ثمة فهي تجتزئ أهم اللحظات والموضوعات لتنقلها إلينا هذه المرة في شكل كتاب فني يرصد جوانب من هوامش ذاكرة هذه الأخيرة.
قراءة في رواية " الحق في الرحيل " للكاتبة فاتحة مرشيد ـ عبد الهادي عبد المطلب
ازدواجية الفني والوجع الإنساني
أو حين يحاصرنا الرحيل
" تريث قليلا أيها الموت .. إنني أكتب "
مفتتح ..
عند منعطفات السرد ـ ونحن نجوب دروب رواية " الحق في الرحيل " لفاتحة مرشيد، يترصدنا الألم والرحيل ليدفع بنا إلى الانخراط في لعبة الحكي للتماهي مع الآخر الذي يسير جنبا إلى جنب الألم والوجع، الألم الذي ينفتح على الجرح الإنساني حين يقف البطل حائرا ضعيفا تائها لا يدري أمام " الحق " ما هو فاعل، وأي الطرق يسلك مع عنف الحب، واندفاع الأسئلة التي تعصره لعلها تفتح له بابا نحو الجواب .. الجواب الذي ينفلت ويزيد درجة الألم ..
على حافة الكتابة..
وحدها الكتابة ـ تأخذ منا ـ لتسير بنا إلى اكتشاف مجاهل الذات ومواطن القبح والجمال فينا، في الوجود والموجودات ..
الفن من الجمال إلى التذوق.. طرق للرؤية ـ غسان الكشوري
يقول الفنان هنري ماتيس: "عندما تأكل الطماطم فإن الأمر يبدو عاديا، لكن إذا أردت أن ترسمها فإنك تنظر إليها من زوايا مختلفة". كانت هذه أول عبارة أسمعها في حصة الدروس النظرية من مواد "الفن الدعائي"، وكنت أتساءل يومها ما الذي سينفعني من دراسة تاريخ الفن التشكيلي، من عصر الكهوف إلى النهضة إلى الباهاوس... وبما إن الصورة فن، فلها موضوع وجب دراسته وتتبع مساره.. ولذا فان قولة ماتيس لم يكن الغرض منها في افتتاح شهية الفنان التشكيلي الذي سيرسم أو سيأكل فحسب... وإنما القصد منها هو الإقبال على الفن لا بطريقة عادية ولكن من زوايا نظر رواده. هكذا يأتي سؤال ما الفن أساسا؟ وما دوره في المجتمع ؟ وهل نحتاج إلى فنانين (تشكيليين خصوصا) في مجتمعاتنا المعاصرة ؟ وإذا أردنا أن نتحدث عن موقع الفن في المجتمع فإننا سنتكلم عن المرسل والمرسل إليه باعتبار الفن التشكيلي أو اللوحة الفنية صورة تحمل مضمونا ورسالة إلى المتلقي. لكن الحديث عن تجاوب المجتمع أو تعاطيه للفن لا يمكن تجاوزه دون النظر إلى مسألة الذوق والتذوق الجمالي، وهذا يحيلنا بطبيعة الحال إلى ما يمكن تسميته بالشروط الاجتماعية لاستقبال الفن.