
شعرت بتكاسل في دقات قلبها وبمغص مزعج يكتسح حشاها ... ماهذه السماء التي عادتها الشمس منذ زمن بعيد ؟ تراجعت إلى الخلف وأغلقت النافذة تاركة الستارة الزرقاء الثقيلة تحجب عنها السماء الضيقة الملبدّة وجالت بعينيها المغرورقتين في بهو الدار...بدا وجه أمها في الصورة المعلقة مشرقا بوشمه الأخضر الجميل وحنانه الغامر وبدا أبوها بشاربه الكث وجبّته الفاخرة ومسبحته القانتة يردد في أذنيها المعوّذتين ويمسح على رأسها بيديه الحانيتين كلما أصابها فزع.
دلفت إلى المطبخ ..رائحته ماسخة وعلبه باردة وقدره المعدني يغلي في صمت ، لا ثوم يتأرجح في السقف ولا فلفل أحمر يزين ناصية البيت ولا بهارات تغزو الأنف فتزو بع الكيان ، لا مهراس يغني في فرح ولا مطحنة البن تزغرد فرحة بقدوم رمضان...لا خبز يضوع في فتنة يغري بملمسه الساخن وحبات الينسون والشمر التي تتلا مع على إهابه الفاخر..
كم الساعة ياترى ؟ ومن سيشاركها هذا الإفطار الحزين ؟ جرت إلى الحاسوب ونقرت بضع نقرات فظهرت لها على الشاشة مواقيت الإفطار في كل أصقاع الدنيا، ظلت تسحب الفارة حتى استقرت على تونس.... تنهدت بعمق وأغمضت عينيها في حنين مدمّر...فجأة رأت نفسها بضفيرة طويلة وفستان زهري راقص ترقب مع المحتشدين ظهور الهلال.