أنفاستجيئين مبرقعة بالماء وبالزخارف العظمى ، تنثرين الضوء على قباب دهشتهم وتؤلفين ما بين الأحمر المأخوذ من ورد الجنائن والأخضر المخطوف من غابات عربستان ....  ذاك رداؤك .
تتبدّدين كأنفاس الندى وجدا وبما تخضّب من أناملك المديدة توشوشين فتدار أقداح" من خمر عانة أو كروم شبام"1
 تتأمّرين على أحلامهم فتجيء منهكة خيول صبوتهم وتحط ّراغية تلك  النجائب والرّكائب ... هذي النّمارق لمن صفّت حتى يعفّرها الفضول وما تناثر من هجين المسك لكنما عبق اخضراره يولد هكذا في الرّوح ، وترين وجهه ممطرا يسري على طرق بعيدة فيجيء نزعك حازما، تستمهلين ، " لا ، لا تزرني هكذا ، دعني أمتع ناظري بغمامة من قطره أو لعقة من شهده أو نفحة من خدّه حتى إذا نبتت يدي في كفّه خذ كلّ أوصالي وانشر نعيي ... يل حين كيف تأخذني وأنا لم أحي يوما واحدا؟
تتلفتين بالجيد أنهكه التوجّس والترقب ويظلّ نبض بالوريد مرابطا كالسيف متربّصا بالخطو يوغل في ثنايا البعد تتوقعين جنوحه أبدا لكنما أمل التلاقي يعلّل جمر الجوانح بالعناق هذا المبرعم في أقاصي الذات . لكنما الوقت المبدّد للأماني يمتدّ مثل الأفعوان .  وتكابرين فيزبد الحدق العنيد وتنظرين الى الأقاصي تهمهمين : "الأخضر المجدول من سعف النخيل والزنبق الممهور بالخجل المحبّ والألفة في مثل طوق للحمام تألفت حول الأقاحي وألّفت بين المعنّى والمعنّى . ماذا أضيف ليكون أجمل هذا المكان ؟ ولماذا لا يأتي الرذاذ وأنا نذرت أصابعي للّوز؟ ولماذا يسرف في سفك الثواني هذا المكابر والعنيد ؟ أترى الثواني كمثل هذا الصخر ثابتة حتى يبدّد جذوتي ويريق أ نفاسي  على وهج التوقّع والعناد؟

pier 010gالقط :
لا أحد يعرف من جاء به ﺇلى هذه  الحانة ولا أحد يتذكر متى كان ذلك  ٬كأن وجود القط هنا ! قد تمّ  خارج الزمن .  صاحبة الحانة ٬المرأة البدينة ٬ لا تجيب بشيء محدد حين يكون موضوع السؤال قط "حانة مارسيليا " " مغاوْري " . هذا هو لقبه الذي حصل عليه من رواد البار فضلاً عن الركلات التي تطال مؤخرته كل حين .  في مقدمة الرأس غور ينتهي بقاع متعفّن هو ما تبقّى من عين تالفة . قلّما يثير شفقة أحد  ٬ عدا صاحبة الحانة التي تسعفه ببعض بقايا الطعام ٬تجمعه من الموائد في آخر الليل ٬حتى دون أن يكون قد حقق رغبتها في طرد الجردان التي تتراكض في مخزن الخمور ٬ حيث لم يفلح في ﺇبادتها فأصبحت تعربد على مرمى حجر من عينه السليمة .يقضي سحابة يومه مضطجعاً على "الكونتوار" أو يلفّ بين الطاولات طلباً لبقايا طعام . في جولاته المتوجسة تلك ٬ يحدث أن تطوّح به رجل عاليّاً أو تدوس قدم قصداً على ذيله ٬ينطّ محدثاً مواءً ممطوطاً فتعلو من جهة في البار قهقهة . ..يلود" مغاوري " بالكونتوار ساخطاً على اليوم الذي بدأ فيه قطّاً يتسول فتات هؤلاء  السكارى .

أنفاسقرأت في جريدة عربية ، تسكن في بحار صمت الأرصفة الفوارة ، الخبر الأزرق التالي:
"مرحى بزورق الشمس الآتي صديقا بين أمواج هذا البحر المشتهاة .."
ثمة كائنات قبلية ، تلهث صادقة ، وراء إنجاح التنمية المخزنية .
 لا شك أن أوراش الإفلاس الاجتماعي ، التي تعرفها العديد من بؤر الخريطة، في غاية الأهمية ، بالنسبة لرعاة الرمال المشروخة الوجه ، و كذلك بالنسبة لحراس غابة الرماد الغاضبة ، التي طرح صمتها الحزين ، هذه المرة دون عادتها،أكثر من سؤال.
 هي كائنات محلية ، منسوجة ألوانها و روائحها ، من تراب الأجساد الوطنية ، و أفكارها الشعبية ، لامحالة صنعتها الرياح القادمة  من داخل مربعات جلالة الصرة الجائعة . أما عن  أعضائها الكرام، فحدث بلا حرج .
هم من الفئة القنوعة فقط ، بامتصاص نفايات موائد الأشجار السامقة .لنقل هي نحلات بلا هوية ،تلسع و تزداد امتدادا في هرم الحياة ، رغم تجذر حروفها الحمراء ، في أعماق وجدان بحرنا القديم ، و الذي مافتئ يرمم موجه العاتي،ليبدأ السباق ، بلباس الصراع الأجدى ، ضد مملكة الخفافيش ، التي لا تحسن ، في لعبة الرفع و الجر،سوى تحريك آليات لغة عقيمة ، يرعاها الزلزال ، و وراء أدغال الكواليس يخرجها الشيخ الأعمى ، في أحضان مريديه المقنعين برذاذ الصباح  المزيف .

أنفاسعلى نفس الرصيف  ,الذي لم يتغير سوى لون طلائه,إذ يبدو احمراره يانعا...قرب نفس العمود الذي تتراقص ألوانه ,وتحت نفس النخلة التي ازدادت ثباتا...الآن أقف.

كان ذلك منذ ثلاثة عقود مضت وكان الليل قد أعلن ميلاده خلسة,عم ضباب كثيف,أناس في حركتهم أقرب إلى الأشباح,تلك التي أسندتها ظهري ,دمع سعفها قطرات بللت الرصيف...
ميزتها بين الأشباح لسرعة خطوها فقط.معطف جلدي أحكمت إغلاقه وسروال قطني اظهر قوامها الرشيق وملامح تشع منها حيوية نادرة.
" تأخرت" خرج صوتها دافئا وأليفا,وبسطت يدها الناعمة لتدفنها في كفي الباردة كالعادة ,أنعشني عطرها لما لامستني صفحة خدها...
" لا, لا لم يبدأ العرض بعد."
وامتصنا الضباب...
صارت تحدثني عن مضايقات أخيها وأسئلة امها المتكررة عن دواعي الخروج كل يوم خميس في نفس الموعد...وعن محاولاتها إقناع والدتها بدورها كعضوة بالنادي السينمائي.
توقفت الموسيقى العذبة التى كانت تنبعث من جنبات القاعة,كما توقف التقاطر البطيئ لوجوه اعتدنا حضورها وسلمنا الضباب للظلام...

أنفاس"يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ"
(البوصيري)


يجلس على حافة السرير ممسكا يدي الباردة يجس نبضي ،  يغلق فمي بميزان
الحرارة ، يراقب بصمت وجهي الشاحب الممزوج بسيل من الدمع وتصببِ العرق
، يضع السماعة على صدري متضارب الدقات ، يضرب بأصابعه على ظهري، يقلبني ذات اليمين وذات اليسار ..
يدخل قطعة خشب في فمي ويشعل الضوء ، يخلط زجاجات صغيرة في إبرة توخز شراييني ..
" الحمدلله، لم يرَ اسما على لساني ، لم يجد وجها مرسوما على صفحة قلبي ، لم يسمع خطوات أقدام تركض في نبضي ، لم يخرج جسد مع القيء ..!!" .
- مجرد التهاب رئوي حاد من تعرضك للبرد ، قلة النوم والأكل ، التدخين وأهمها تعرضك لصدمة عصبية.. من الذي تجرأ وأغضب هذا المحيا الجميل وجرح الفؤاد ؟
أنظر بعيون زائغة نحو الوجوه الخائفة المحيطة بي :" ترى على من أضع اللوم ومن الذي تقع عليه القرعة ، ومن أعرض عليه لائحة الاتهام ؟" .

أنفاسالنتوء على رأسه يكبر , يأخذ كل مرة شكلا غريبا ,لا يمكن للمرآة ان تخونه حين يسألها كل صباح قبل ان يخرج الى العمل ,,
ينظر في عيون الناس , يسألها , لا أحد يعيره اهتماما في الشارع , النتوء ينتصب فوق رأسه , ولا أحد يهتم ,,حتى زملاؤه في العمل لم يهتموا , ولا أحد منهم سأله يوما عما ينتصب فوق رأسه , ,
كان النتوء قد أخذ شكلا واضحا هذه المرة ,,, أمام المرآة , أحس بالعرق يرفع من منسوب صبيبه :
يا الهي انه شكل ضفدع ! النتوء أخذ شكل ضفدع يتربع رأسي..
يا الهي , الطبيب , آه , الطبيب ,, اين بطاقة التعاضدية , أين الحذاء ,, الطبيب حالا, لا يمكن التحمل أكثر  ..
خرج مهرولا , طاكسي ؟ لا , حافلة ؟ ستتأخر , عيادة الطبيب قريبة , سأمشي , سأهرول ,, وفجأة سمع صوتا  :
- الى أين ؟
رد دون أن يعرف مصدر الصوت  :
- الى الطبيب..

أنفاسحديث مع رَبّة الشفاء
-----------------------
لِرؤاي أجنحةٌ
وللنجمِ اصطفاقْ
وإذا دعوتُ
فإنَّ في كَفيَّ ياقوتاً بِلونِ دمٍ
ومِن آياتهِ أنْ لا يُراقْ !
----------
أنهيتُ هذه الكلمات ففرحتُ كالطفل وكأني أحمل مفاجأة كبيرة يمكن أن أريها الربة وقد أحسستُ بقدومها من خلال شوقي الكبير وحلَّتْ بالفعل وقد بدا هذا المساء نابضاً ناصعاً كرداءٍ ورديٍّ مُلقىً على كتف الغابة أمامي فهو يشع فأحس بدفءٍ في داخلي رغم لسعة البرد الربيعية التي تهبُّ من النافذة بين حين وآخر فقلتُ لها وانا أحيِّيها :
انا في الغالب أجلس أمام الورقة وذهني لا يحمل فكرة محددة , كل ما أحمله هو تحمُّسٌ ولهفة للتعبير , الصعوبة عندي كانت كثيراً ما تتمثل في البيت الأول لذلك قلتُ يوماً : أعطِني بيتاً شعرياً ناجحاً أعطِكَ قصيدة ناجحة .

أنفاس..... ثم أحمل نفسي على حنث القسم الذي اخترت له أغلظ الأيمان ، فأعود إلى الخمرة التي تنكرت لصحبتها فخذلتها رغم حسن المعاشرة، من يدري ؟ لعلها تأويني بعد طول التيه بحثا عن وجه امرأة ظلّت تسكنني في الذاكرة .
حين أقنعت رغبتي الملحة بالتحلل من الارتباط بها، لم يكن الدافع قصور يدي فقط ، أعود في الهزيع الأخير من الليل أجر خطوي كارهاً صحوي أمامها ، فيعلو صياحها أحد من صوت ديك الفجر في جنح الصمت ، تعيرني بما أسمعه وما لا أسمعه ، ينتابني خجل من صغاري خلف الباب ، فأشعر بالحرج لعجزي عن إقناعهم بما أنا فيه معها ، كيف أشرح لهم أن أمهم والزمان عليّ ؟
أتألم أحيانا لصبرها على جنوني كل تلك السنين ، لكنني أبقى مصرا على حاجتي لحرّيتي مما يقيّدني بها ، ذات يوم ، انتهزت فرصة روقانها بين يدي ، ناسياً ما تَسمّعَتْه من كلماتي المتقطعة هاذيا باسم تلك المرأة الغريبة ، فهمست لها على سبيل المزاح ، برغبتي في الانفصال عن هذا العالم بكل ما فيه ، لم تنتظر كعادتها ربط حديثي بإحباطاتي السياسية ، فبادرت مرعدة غير مزبدة ، تسألني عن اختياري من البداية ربط مصيرها بهذا الخرف:خُذي كل ما نجحت في امتلاكه بعد ربحة العمر في هذه اليانصيب ، ألست تقولين بأني ما عدت أصلح لشيء بعدما وهن العظم مني ؟