هدوء يسود القرية التي تتثاءب لتطرد النوم عن عيونها. خرجت من البيت لأمارس عادة دأبت على احترافها منذ زمن ليس بالبعيد. منذ عقدت العزم على أن أتمرد على مجهوليتي في هذا السجن الذي يعصرني بين أحداقه. هكذا كنت أسير لمسافات طويلة وأرتاد –أحيانا- خارج القرية الموغل في الشحوب.
تباشير يوم قائظ بدأت تلوح بعد أن أذنت الشمس عن قرب اعتلائها عرش المكان. بعد ساعات أصبحت القرية فرنا حقيقيا, وفي الأفق غمامة تتقدم على استحياء, تخب خطواتها على مهل لكن بثبات.
أسير, صفحة السماء أصبحت أقرب إلى الرمادي. شيء من رمل يخالط هذا الحر يهاجمني. بعد قليل أصبح وقع الرمل أشد وصرت أستقبل كميات منه بسخاء. أبصر الناس يسدون أفواههم وأنوفهم بإحكام ويهربون من وجه الرمل. أنا الوحيد الذي كنت أبتلع الرمل والصهد مع شيء من الذباب, أبصرهم ولا يبصرونني, لا أحد التفت إلي وأنا لا أسد أنفي وفمي.
رفعت من إيقاع سيري. الآن أنا أجري كأنني هارب من شيء ما. فمي مشرع مثل بوابة قديمة, ألهث ككلب مطارد؛ تنتشر الآن كلاب ضالة في كل مكان. أجري, أجري, أذني تتلقف صوت لهاثي الذي يكبر ليغطي المجال من حولي. عرقي يغرقني والرمل الدافق يتنزل مثلما سياط هذا الحر. الشمس تطلق رصاصها من وراء الغيم القابع في الرماد.