أنفاسخميساتك معلقة بالصدر
بخيط رفيع من الصوف
وخمسة الوان تطفو على السطح
في اناء شفاف
تتباري
وانت من البيت الى مقهى الشمس، ومن الشمس الى البيت، وان شئت فلتتسكع في وجه مولاتك الطويل، عيون كثيرة ستنظر اليك، ستحصي خطواتك، تعرف من انت ، من ايت اتيت، وفيما تفكر، متى تنام ومتى تصحو، لونك المفضل، فاكهتك، المشتهاة، كم عمرك ،عدد اسنانك المتبقية، قميصك البني، حداؤك الرمادي... و... أشياؤك الأخرى....
مولاتك نائمة بين جبلين، تغط في سباتها، ولا تستفيق الا اذا نادى المنادي للسهر، ساعتها تهز بجذعها، فتنط فسيفساء وجهها طربا ويرتعش نصبها.
وحده وجهها الطويل لا ينام، نصبه ممدود الى السماء دون حياء، أخته التوأم على الجانب الأيمن غير بعيد، وانت في طريقك الى سرتها الملونة، تفتح حضنها للريح، لتملأ صدرك بالريح ان شئت ولتذهب اليها، ستجد حولها وجوها ممدة، تطحن كلام الأمس، وتنتظر رمش العين، دربها سبعا تر عجبا...

أنفاسهاتفتِني
وكأني أهاتفُ
سِرِّي وغَيبي
وحدثتِني فتلعثمَ قلبي ...!
-----------
حين فتحتُ دفتري صباحاً لأكمل هذه الكلمات وانا جالس في سريري
فاجأني بصوته العذب صائحاً أمام الباب :
قُمْ , إنهضْ , أما زلتَ مسكوناً بأوهامٍ لا تغني ولا تسمن ؟
قلتُ بودٍّ : ومتى كان الحديث عن الحب أوهاماً أيها المتحجر ؟
قال : آه , انت تكتب عن الحب إذن , ولكني قرأتُ لك بالأمس أشياءاً في هذا , أتمنى أن أقرأ لك شيئاً عن الصداقة في المرة القادمة فأنتم الشرقيين ما زلتم تؤمنون بقيمتها .
قرأت له :

أنفاسانتظرت حتى اختفت قدماي في عمق التراب . الحافلة الحمراء المرقعة في جهاتها الأربعة ، يبدو أنها لن تصل أبدا . تذكرت مهزلة الثقب الواسع ، الذي بدأت تتفاقم رائحته الكريهة ، في أسفل الكرسي الجلدي .. كرسي سائق الحافلة طبعا ..
 فكرت في ركوب سيارة الأجرة الصغيرة . لا أثر للسيارات ، و بدلا منها رأيت عربات ممسوخة ، يجرها آدميون .. أو هكذا بدت لي ، أنا على الأقل .
جاءتني فكرة ، و هي محاولة الحفر في التربة ، حيث وجدت جسدي، كما لو نبت مزهوا كقصبة فارعة ، في شارع المدينة هذا الصباح . و لما التصقت أصابعي الصلبة بوجه التراب ، عند مستوى ركبتي اليسرى، أصبت بخيبة أمل ، لأنني وجدت أصابعي عارية من مخالبي ، التي أمضيت دهرا طويلا معتنيا بها ، من أجل ظرف قاس كهذا . قلت ما الفائدة من جسد مشدود إلى تربة صلبة ؟ و ما الفائدة أيضا من أصابع خالية من أظافر كأصابعي ؟ . فأدخلت يدي اليمنى داخل قميصي لأجذب خنجرا كانت تلازمني في أسفاري ، لأقطع بها ما تبقى من مهزلتي .. أقطع أصابعي العشرة ، و أرميها قطعة قطعة للكلاب الضالة .. و بدل أن أخرج الخنجر بقيت يدي ملتصقة بصدري. دون أن أفهم ماذا يحصل لي ..أنا الذي لم أكن أنوي، سوى الوصول مبكرا، إلى مكان عملي ، لأقوم بواجبي أحسن قيام ..ككافة البشر في العالم كله .

أنفاسفي ذكرى رحيل شقيقي، محمد الإدريسي الرغيوي.. وذكرى آخر درس تعلمته منه..

كان اليوم حافلا منذ بدايته، طويلا.. استيقظت باكرا جدا. حاولت أن لا أزعج شقيقَي الأصغرين اللذين يشاركاني الحجرة. كريم بالخصوص، الكريم بصراخه واعتراضه كلما أصدرت أقل صوت.. غيرت ملابسي مسرعة،  عرجت إلى المطبخ، وضعت على قطعة خبز بعض الزبدة، وفي أخرى وضعت بيضة مسلوقة إضافة إلى قطعة طماطم، حملتها في حقيبتي وهممت بالخروج.
هل أنت ذاهبة يا ابنتي؟ أتاني صوت الحاجّة من الغرفة الأخرى
نعم، آمّي..  بْالسلامة.
وانصرفت، بينما استرسلت هي في دعائها:
الله يوقف لك أبناء الحلال في طريقك ويحميك من كل شر..
لسعتني لفحة الهواء البارد، حالما خرجت. أيام الشتاء قاسية. لبست تحت سروالي الجينز سروالا قطنيا وارتديت كنزه صوفية، لكنني رغم ذلك شعرت بالهواء البارد يتغلغل إلى مفاصلي. ربما عليّ أن أقتني معطفا.. عليّ أن أزور محل الطنجاوي يوم الأحد.. قد يكون أحضر سلعة جديدة من سبتة. وقد أتمكن من إقناعه بتقسيط الثمن إلى دفعات.. بضاعته مستعملة لكن منذ أن امتدت شريحة زبوناته لتشمل المدرسات والموظفات، أصبح يتمنع عن تقسيط الدفع.

أنفاسوماذا يعني أن يموت أحد ما؟
لا شيء..
لا شيء؟ ولكن، ثمة شخص.. شخص ما، في مكان ما، في لحظة ما، سيموت أمامه.
وعندما فكر في الحيثيات، اكتشف أن ما يعنيه في المسألة كلها، هو أنه سيكون الشخص الوحيد الموجود في لحظة القتل. القتل؟ أجل.. مشهد بسيط.. فجأة، وقد يحدث هذا في شارع مزدحم أو مقفر. عريض أو ضيق. وقد يحدث والقتيل يشعل سيجارة مثلا، أو وهو يحدق في ساقيّ امرأة جميلتين. المهم أن رجلا ما ـ أو لنقل قتيلا ما ـ ، وبصرف النظر عن أوصافه وملامحه القابلة للاستبدال في أي لحظة، سيصاب برصاصة موجهة، وربما طائشة!
الآن، لا بد للقتيل أن يصرخ، ثم يترنح ويسقط، أو يسقط دفعة واحدة مثل كيس ثقيل، والدم ينزف من الثقب المفاجئ في الرأس ـ ولا ضير في أن يكون في الصدر ـ ، ثم ينتفض تلك الانتفاضة التي لا تليق إلا بالقتلى، ثم يهمد.
وكما نرى، فإن المشهد عند هذا الحد لا يشكل هاجسا خاصا تماما. فرغم أن المهجوس سيكون هو الشخص الوحيد الموجود في لحظة القتل، إلا أنه يستطيع أن يتابع سيره من دون التفات. ويستطيع ـ إذا رغب ـ أن يلقي نظرة عابرة، ويتابع المشي.

أنفاسعندما أدركت أن المسير عبر العتمة يكلفها شيئا من الخوف المصحوب بخيالات واسعة لمخلوقات ليلية تتسع باتساع مساحات خيالها الجامح؟
توقفت... توجست او هكذا خيل لها وهي ترى أمامها عوالم من ظلال وأشباح لتلك الموجودات أمامها من أشجار ونباتات واعمدة كهر بائية كانها رجال منتصبو القامة يريدون الاستحواذ عليها وتغييبها من الوجود ذلك الذي هجع هو الأخر خلف سكون ليلي من نوع اخر.
تلفتت وراءها وهي تسمع وقع خطاها اللتين اتخذتا شكل ايقاع موسيقي لحفلة السكون تلك.
صكت على أسنانها،تصنعت ابتسامة هي تعلم انها في غير وقتها.
تباطأت قليلا،همهمت بمقطع أغنية أحبتها لعل ذلك ينسيها او يحاول ان يقلل من خوفها الا ان كل تلك المحاولات باءت بالفشل وهي ترى عيون ذلك الطائر الذي مر من أمام عينيها كالبرق؟
تلعثمت فركت اصابعها ببعضها، حاولت الصراخ او الاستنجاد لكن بمن والكل يغطون في سبات عميق.
الا ذلك الجسد الصغير الذي يعتمر قبعة من القش الاصفر ويرتدي فستانا ابيض كالثلج،وكأنها مدعوة لحفلة أقامتها بعض مخلوقات الليل غير المرئية احتفاءا بحوريات قادمات من السماء السادسة بعد ان سئمن الرفعة والسمو وجئن الى الارض التي هي مرتع لمخلوقات غريبة سئمت هي الاخرى حياتها وصارت تتطلع الى السماء طمعا في الهرب والابتعاد؟

أنفاسالمكان /وحدة إذاعية متنقلة تغطي أحداث الحضور المبتث عبر الأثير لأشباح الغياب
الزمان /اتجاه العقارب يطارد الثواني في الزمن المعاكس
الشخصيات /أصوات مبحوحة ينتظرها سماسرة التمثيلية البرلمانية
العقدة / واقع غير مأسوف عليه
و تنطق الخرساء/ من منكم يتطوع لحرق كل الحروف الأبجدية.. يصادر كل المسارد و المعاجم اللغوية ...من منكم بمقدوره اجتثات الألسنة ....او تكميم الأفواه بعلامة قف ..ممنوع ..
ما احوجني ان اتلف باحة النطق من الدماغ ..باحة لم تسعف وظيفتها على تحرير الإنسان من الاحتجاج ضد وسائل التغييب للحقوق الأساسية في الحياة ...الحق في الحياة ....هكذا ختمت كلمتها خلال ندوة حيث تمت استضافتها بالتلفزيون المحلي ...لكن في الصورة الاخرى كان الامر مختلفا اذ اخذ المذيع يترجم على طريقة الصم تنديدها الا ان المشاهد احيط علما ان اللغة لم تعد وعاء الفكر بينما معول الواقع فعل ينزع بالرفع و النصب و الجر للعناصر التراتبية في السياق..

أنفاسملمس الحجر ناعم...
الإسفلت الممتد عميقا,حد التلاشي,يدمي...
المرايا,كل المرايا,لا تعكس الشكل الحقيقي للأشياء.فقط أشباح...
وسط غابة نخيل,تهت أبحث عن تلك القامة,تضايق النخيل ورماني بالبلح...
نز جبيني وآنست لزوجة دافئة,دفء غابر...
رحت أتسلق,بدا لي الصعود يسيرا...التفت إلى الأرض رأيتها تفر ,تنأى,تغيب وتلفني غمامة بيضاء...
لم أكن وحدي,أشياء كالشهب تخترق الغيمة التي لفتني كالوليد,ملتحمة الأجنحة كانت تتصاعد,بساط أجنحة حجب عنى الانعكاس...لم أنتبه لصدري الذي تشقق وغادره شهاب حارق...ليلتحق بالشهب...أحسست لحظتها أنها غادر تني...
لا مكان للحجر الآن...
لا مكان لما يدمى الأقدام.
مرآة واحدة,لا أطراف لها,تعكس بساط الأ جنحة و أشياء كالضوء تدفعها الريح لتشم الخواء جروحا.يتعفن جرح صدري فأمسح الصديد عن بياض الغيمة التي لا زالت تلفني...