ليست قصة أن تستيقظ فى الصباح، تنزل من فوق سريرك، تغمر السعادة روحك، لتتجه إلى الحمام، تقف تحت الماء الساخن لتغسل أحلام الليل وتعيد ترطيب شفتيك، تعد كوبا من الشاى، ثم ترتدى ملابسك التى اختارتها هى وجهزتها، وتترك قبلة صغيرة على وجهها البرئ البشوش -لا تكفى لطرد الأحلام الساكنة فى عينيها- قبل أن تغادر المسكن لتذهب إلى العمل... تستمر فى عملك حتى انتهاء ميعاد العمل الرسمى وتسرع عائدا إليها.

كان الليل قد زحف بظلمته القاسية على الفضاء المكتوم الذي لا تكاد ترى فيه سوى السواد القاتم وأطياف المساء الهاربة، ولا تكاد تسمع فيه إلا أنفاس ريح باردة وحشرجة الإبل التي تجتر الكلأ الذي التقمته في النهار. بالجانب الآخر، تحت سماء مرصعة بعناقيد النجوم، بددَّ الطوارق هذه الظلمة بنارٍ كبيرة أوقدوها بالقرب من بئر مغطاة في قلب البيداء دفعاً للبرد القاسي الذي يسكن أطرافهم وأفئدتهم.
ما إن نالت أجسادهم بعض الدفء حتى بدأت قهقهاتهم تتعالى شيئا فشيئا وتخرق سكون الصحراء بأصوات مشتاقة للبوح والانعتاق. اتخذوا من الرمال فُرشاَ طيبة وبدأوا سهرتهم. الحق أنهم كانوا في أمس الحاجة لهذا السمر الذي يصيبون به عادة شيئا من الحُبور ينسيهم تيه السنين القاسية وطول المسافات البعيدة التي لازلت في انتظار خطاهم.

كم كان وجهُكَ وضَّاءا أيُّها الغـُلام !
اِحفر في التراب سَمْـتا ، يُذهب بك إلى عوالمَ جديدةٍ ؛ عوالمُ تعنُّ لك مقاماتـُها البهيّة ؛ شبقيـَّة و قرمزية . لا تبال فإنكَ قطعةٌ من رُخام يُكتب عليه شواهدُ لأسماء موتى ، ذهبوا ولم يعودوا أبدا .
هذه قريتي ... هذه بلدتي ...
بعيدة و ضريحُها أبيضُ ، و شواهدُ قبور ... كلها تعرفني . فعندما دفنا ذات الرِّجل المعقوفة، ذات مساء أغبر ، قرأ الفقيه ما تيسر من القرآن ، ترحُّما على الجسد الطاهر المغسول بالثلج  والبرد .

تراودني أفكار غريبة، قريبة من الجنون، تنتهك اصوليات المنطق، وتهتك ستر الأشياء، كالطموحات الممزوجة بتوتر وغليان لا يهدآن، يقال أحيانا بان المس ينقل الانسان الى اقصى درجات الادراك والعمق، بعكس ما هو سائد في المفهوم المرعب للشعور المستتر خلف الخوف من الغريب والمستهجن، او بصورة اصح، خلف المستبد القاتل بسادية تمتزج بها النرجسية.

مثلا، فكرت ذات مرة ان احمل جسدي لأضعه على ناصية شارع مهجور غير مطروق، واتركه هناك انتظارا لمار او طارق، ربما عام، وربما مئة مليون عام، وكان علي ان اخضع روحي ومشاعري للبقاء في حالة يقظة مستمرة دون الشعور بالإعياء او الوهن والوسن، ولان طبيعة الجسد مرتبطة بالروح، شعرت بغصة وانفصام هائل اودى بذاتي الى معتقل الواقع والعجز، مرضت مرضا شديدا، وبكيت، اُرهقت كثيرا، وفجأة، شعرت بثقل هائل، قلت: استطيع ان احقق كل ما صبوت اليه، ليس فقط لمئة مليون عام، الى ازمان يعجز العقل عن احصائها، كل ما علي الانخراط بالجنون الاعمى والحلم المسحوب من مساحات الزمن.

أتيتك بالحب والخمر وبالخبز والصحف
من أين سنبدأ هاته الليلة الغريبة ؟ وكيف ؟ ونحن عزمنا أن نخون عهد الله وان نسقط أنا وآنت في لذة العصيان ومتعة الرذيلة قررت أنا أن أخون الحرف والكتابة وان تخون آنت المدينة والموسيقى والتاريخ واتفقنا أنا وآنت كأي ألماني متطرف وكأي يهودية متشددة وآنت تعرف يا شريك أنه لم يجتمع الألمان واليهود إلا في كراهية وبغض بعضهم البعض فهل أنا وآنت سنخالف التاريخ وسيجمعنا الحب والرذيلة ؟

لما انزعج  الجيران من صوت الأغاني الفرنسية التي تعلو منزلي كل ليلة ،اشتكوا بي عند شرطة الحي ،السيدة الصغيرة تبالغ في رفع المذياع على القناة الفرنسية كل مساء.
ينظر المخبر  الوسيم الي  ويكمل تجواله في أرجاء شقة.
المخبر :وما سبب كل هذا الازعاج ؟!،
 انظر اليه بغرابة من يتكلم دون منطق ،
انا: وهل أدعهم يسمعون الصراخ في كل مرة، (اردد همسا) ،
 المخبر :دولاب ملابس أنيق (يردد بصوت هادئ) ،ثم يفتح الدولاب ،ماذا تفعل بذل رجالية في دولاب سيدة وحيدة ؟ الا ان كانت عاهرة بامتياز!  .

بعض الأسرار تستحق الموت من أجلها، وكتمانها يتطلب قلبا جامدا كالصخر وروحا لا تعرف التردد والخوف. وأن تدرك أنك تخلصت من الجاذبية فذلك إحساس ممتع ، لكنه يصير أكثر إمتاعا عندما تجد نفسك معلقا بين السماء والأرض، لا أنت مشدود بحبال تجنبك السقوط، ولا أنت تستند إلى أعمدة تساعدك على الوقوف، أن تشق الضباب وأن تصير أقرب إلى الشمس، وأن ترى كتل السحاب تمر حذوك وتخترقها، وتنظر إليها من أعلى...حينها تحس أنك صرت بعيدا بعيدا، لا تدري كم يبلغ ارتفاعك، ولا تدري كم تبلغ درجات الحرارة التي لا يفصلك عنها سوى زجاج نافذة صغيرة تطل منها على الخارج.
 طائرة تعاند الطيور وتحلق عاليا لتنقلك من وطن إلى وطن، وبين إقلاعها وهبوطها تغتالك الخيالات وتفزعك الهواجس وتتناهشك الذكريات. فهناك على تلك الأرض تركت خلفك كل الذين تحبهم، الوالدة والأبناء والزوجة والأخوة والأحبة. هناك على أبعد من مرمى البصر، وتحت هذه الغيوم التي تموج تحتك تركت من سكنوا شغاف القلب وأناخوا رواحلهم بين جوانح الروح.

تتفجر الأرض ضبابا، تنهمر من السماء قطعُ سحب كصخور نارية، زخات داكنة تقرع الأرض في صوت مائج يرجرج المكان، سيول لزجة متدفقة تخترق كل الضفاف حولي، وأوْحال في غليان هائج تنبعث منها أشباه فقاعات عملاقة متناسلة لا يحدّ انفجارَها تكاثرها اللامتناهي... تتقلص الرؤية فتستحيل أمامي المرئيات ظلالا وأشباحا بأشكال هلامية يستصعب التحقق من طبيعتها. تمور الأرض من تحت قدميّ، أصرخ ملء قواي، فلا يُسمَع لصراخي صوت ولا لنداءاتي المتوسلة.
يتأجج هذا الاضطرام الداهم، وجوده العملاق غير قابل للمغادرة، وكل المؤشرات لا تدل على رحيل محتمل. أمدّ يدي اليمنى التي انفصلت عن بدني نحو ما يتراءى لي من هذه الأشباح والأخيلة، لكن ضجيجا صاخبا يعلوه صفير حاد يخترق رأسي، فيفجر دماغي وما تبقى من أعضائي. تواصل يدي انبساطها صوب وجوه كثيفة لا أخطئ تقاسيمها، تنظر إليّ بعيون نافرة ملتهبة، تتعاظم ضحكاتها والقهقهات منها تدك جسدي...

مفضلات الشهر من القصص القصيرة