الروم على حدود إمارة حلب.
ظرف المكان: قاعة الاستقبال الكبرى، في قلعة حلب.
ظرف الزمان: عام ألف، أو ألفين، وربما ثلاثة آلاف للميلاد.
أمر الأمير أبو المعالي وزراء حلب، فلاسفتها، علماءها، أصحاب الرأي، وقادة الجيش، بالمثول بين يديه.
حضر شاعر الإمارة الأخير، كفَّ صوته منذ سنوات طويلة، ظنه قد خرس، استدعاه ذرا للرماد في العيون.
عرض عليهم أبو المعالي الحدث الجلل، قام عن عرشه، وخطب فيهم بصوت يصطنع المهابة:

حين غادر آخر المعزين المنزل وقف خالد في الساحة الفسيحة الممتدة يحدق في الآفاق اللامتناهية البعيدة، وأحس بدموعه المنهمرة الحارة، فلم يقدر على منعها. وسرعان ما انتقل ببصره إلى الحقل الممتد مترامي الأطراف. كانت أشجاره الحبلى بحبات الزيتون السوداء صامتة صمتا رهيبا، كما لو كانت تمارس طقوس عبادة مقدسة، وبدت له تلك الأشجار في حالة حزن مقيت لإحساسها بالفقد منذ فارقها راعيها، فخيل إليه أنها تذرف الدمع بلا انقطاع. وارتسمت في ذهن خالد صورة والده وهو يذرع الحقل جيئة وذهابا ويداه لا تكفان عن مداعبة الأغصان اليانعة المتدلية بحباتها اللامعة البراقة تحت أشعة شمس أكتوبر الحارة. ويراه الآن وهو يسير الهوينى بمحاذاة طابية الهندي يراقب سير الجرار البطيء أثناء حراثة الأرض بهديره الصاخب الذي يبلغ أقصى القرية.

حبيبتي، ها أنا أكتب لك لأول مرة في عنان السماء عن لوعتي التي أججت نارها في فؤادي نظراتك بعيون كحيلة آسرة وكلماتك الصادرة من بين شفتين قرمزيتين مشتهاتين..اشتقت الى ذكرياتك الهاربة مع سيول الزمن الماضي مثل زوارق من ورق..لن أنسى ما حييت ذاك اليوم الذي أردت فيه أن أشخص موقفا قمينا برجل بالغ، موقفا كنت قد صادفته أثناء لحظة قراءة واكتشاف ومؤداه أن المرأة تحب أن يكون حبيبها شجاعا ومقداما لا جبانا رعديدا..وهكذا أكثرت من عنترياتي بينما اختلينا على درب العودة مساء من الثانوية..لكن رجاحة عقلك منعتني من المغامرة الطائشة عندما هممت بمواجهة جماعة من الأشرار المسيئين للمارة بأقبح الكلام..

"من لا يحبُّ خضُّور، ذاك السند الصلب، والصديق الوفي، كم نحن محظوظون، بأن يكون جزءا من حياتنا"؟!
كان مقهى الأطلال القريب من كليَّة الآداب، ملتقى الزملاء الدائم، شباب في مقتبل العمر، يحلمون بتغيير العالم، وبمستقبل أفضل.
لم يكونوا مفرطي الغنى، ولكنهم ميسورو الحال، إلَّا خضُّور، لا أحد يعلم عنه شيئا، ولم يخطر ببالهم يوما أن يسألوا.
كان لا يتكلم إلَّا نادرا، ولضرورة قصوى، فكأنّه يملك عشرين أذنا ولسانا قصيرا، بينما يتحدث رفاقه دون توقف عن طموحاتهم، وخيباتهم العلمية والعملية، وأحزانهم العاطفية والنفسية.
استحقَّ هذا المكان اسمه، فقد شُيِّد في أوائل خمسينيات القرن العشرين، وشهد أحداثا عظيمة، وحفلات غنائيَّة، وأمسيَّات أدبية وشعرية لكبار ومشاهير.
فقد بريقه بمرور الزمن، ولم يبق من مجده الغابر، إلا ذكريات نادرة، تصدَّعت جدرانه، و غلب عليه القدم.
كان أول الواصلين، وآخر المغادرين، ما أن يطلُّ حتى يبدأ صاحب الأطلال ، بتحضير كأس شاي ضخم أحمر مسوَّد، كما يفضله خضُّور.

فرغ "لارڭــو" من آخر مجموعة له في القصة القصيرة جداً ، ختمها بنص يحبه كثيراً، يلخص ربما تجربته، جاء فيه:
تجمع الحروف، وتلملم الأرقام،
تضع الكل في خلاّط :
هي امرأة أنغام،
هو رجل أرقام،
وفي الكأس التي لن يشربا منها أبداً:
"عصير قيس و ليلى "

في العشرين من عمري ، وكل طاقة العقد الثالث، الشغف والطموح ، هذه الأمور التي من الضروري ان تتوفر ومن الطبيعي أن تكون في شخص يعتب اعتاب عقده الثالث. أهدر هذه الطاقة في الأحلام ولا شيء غير الاحلام والأماني ، رغم قدرتي الكبيرة على التنظير في مسألة معينة، لم أكن لأطبق أيًّا من افكاري.
كانت وسادتي تؤلم رقبتي، في كل ليلة افكر في تغييرها، لكني افضل النوم على إهدار طاقتي في استبدال الوسادة، وعلى مبعدة متر او أقل هناك وسادة قطنية رائعة، الا ان كسلي دائما يمنعني من النهوض واستبدال الوسادة.
وأفكر ماذا لو كان الناس كلهم مثلي! ماذا سيحدث لهذا العالم، الأكيد انه سيفسد، فشخص لا يستطيع تغيير الوسادة لن يستطيع العمل، حتى وان كانت لديه القدرة على ذلك.
تجري الايام على نفس النحو والوسادة نفسها نؤلم رقبتي، ولكن يصعب التضحية بالحركة، ان النوم شيء ثمين لا يمكن ان تدع اشياء بسيطة تزعجه، فإذا كانت الاحلام الطبيعية هي حارس الحلم الطبيعي ، فإن أحلام اليقظة هي حارسة نوم اليقظة، لأنه لا يمكن لشيء اسمه "احلام" ان يوجد دون نوم، وأحلام اليقظة تحدث خلال نوم اليقظة.

أفتح عيني كل صباح وأفتش في الذاكرة ...أفتش جيدا لعلك عالق بمكان ما
أنت موجود بكل شيء في كل مكان بكل التفاصيل...لكنك لست هنا بهذا العالم
أنت حتما في مكان ما لا اعرفه قيل عنه أشياء كثيرة لكن أحدا لم يعد منه للان ولم تأت منهم أخبار أو تفاصيل أو رسائل بريدية
غياب تام بلا رجعة
افتح المذياع، كل الأخبار توحي بأنك فعلا لست موجودا

غراب مصفق بجناحيه، يشق الفضاء الصامت بنعيبه، تتابعه من على شجيرة عوسج بومة رقطاء لحظة.. ثم تعود لسباتها، بينما هو.. كفزاعة نخرتها الريح وأيبسها الحر واقف، يمسح بعينيه الكليلتين البانورما النائمة تحت نير بقايا صهد الظهيرة، سرعان ما ينقلب إليه البصر كسيرا و هو حزين!
لا جديد، و لا شيء يبعث في القلب سلوى، أو يبدد من كآبة روح أسيرة بين ظلمات آمال وانتظار.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة