لعل الكثير من رفاق الزمن الماضي يتذكرون أياما كانت الحلويات والسكاكر فيها عزيزة ونادرة. نظل نرقب الأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية لنحظى بقليل منها؛ نتسابق إليها، نلوكها بكل لذة، محاولين إطالة مقامها داخل الأفواه قبل أن يتلاشى مفعولها السحري وتذهب معها لحظات سعادة عابرة.
  والحقيقة أن خياراتنا أمام تلك الحلويات كانت قليلة ومحدودة، فهي في كثير من الأحيان أشكال وأنواع بسيطة دأبت الأمهات على تحضيرها داخل البيوت بما توفر فيها من مواد، دونما حاجة لاقتناء أخرى إضافية من الخارج: (دقيق، سكر، زيت، زبدة، ماء الزهر...). ولإعدادها، لم تكن المبتدئات من الفتيات والسيدات يلجأن للكتيبات الخاصة بصناعة الحلويات ولا مشورة مواقع الإنترنيت كما هو حاصل زماننا، بل يقبلن عليها بعفوية وشجاعة فتأتي في أحسن شكل وألذ مذاق.

عرقلني الوتد وسقطت أرضا ،نهضت ونفضت يدي من التراب ،لعقت جرحا بسيطا في يدي بطرف لساني ،ثم انتشيت بدمي الحلو ٠ انتقلت إلى الجهة الأخرى للشارع ،وجلست في المقهى كباقي الرواد ،أتى النادل ومسح مائدة قدامي ،نظرت إليه ثم اردفت : كأس قهوة من فضلك ،بعد مدة قصيرة ،عاد إلي النادل وهو يحمل كأس قهوة ٠ في الباحة الخارجية للمقهى جلس رجل أشيب ،يعتمر نظارات بصر سميكة ٠ كان مشغولا بكتبه المبعثرة فوق المائدة ،يقرأ ويخط شيئا في مذكرته، ظهر على ملامحه المتشنجة أن شيئا ما يؤرق باله ،بحلق في كتبه طويلا ووضع قلمه فوق مذكرته ،ثم نهض وجمع ياقة معطفه ،وشرب آخر جرعة ماء تبقت في كأسه ،ثم مسح فمه بكمامة معطفه ٠

- سألَته قائلة من أنت ؟
- أنا قلم ... و أنت ؟
- أنا حكاية ... فاكتب ما تود قراءته
- أجاب غاضبا: كفى من التراشق بالكلمات
- ردت ضاحكة: أنت من بدأ أولا
- حقا أنا أسألك عن ماهيتك ؟
- ماهيتي هي إعادة سرد ما تمت كتابته سواء أكان يُسعد أو يحزن، فماذا عنك وعن وظيفتك ؟

عزيزي يوسف
لا أعرف تماما لماذا أكتب لك هذه الرسالة، ولا أدري لماذا اخترتك دون غيرك من بين جميع أصدقائي لأوجه لك هذا الخطاب. ولكني على يقين تام بأنك كنت تربك هواجس نفسي لا شعوريا، حين كانت تحلق أفكاري على مساحات الوحدة والانطواء، التي لفعتني بظلالها القاتمة وأنا أنتظر دخول غرفة العمليات، ليتمدد جسدي فوق سرير السلخ، وتحت كشاف حاد النظرات، وقح العينين.
 لا بد وانك تعلم مدى شجاعتي ورباطة جأشي فيما يتعلق بموضوع غرفة العمليات. إلا أنني هذه المرة عانيت معاناة شديدة. أوصلتني إلى حد الرعب من إجراء مثل هذه العملية. ولا اعلم حتى الآن سبب هذا الرعب. إلا أن فكرة الموت سيطرت على عقلي سيطرة كاملة، حتى وصلت إلى درجة الإيمان العميق بأن يوم وفاتي متعلق تماما بيوم دخولي غرفة الجراحة. وبدأت هذه الفكرة تتسلط على نفسي وتتناوشها من شتى الجهات، حتى اعتصرت حمرة أناملي وتوردت وجنتاي. وقذفتني بكل سوداويتها إلى إحساس مجهول أمام تصور الموت، ومفارقة الحياة. الحياة الزاخرة بتدفق الروح والنشاط في كل شيء.
 

تقاسيم عذبة تتنازع ُرناتِها عود، وناي، وكمان؛ وجمت لها الحساسين المقفوصة، واستكانت فوق غصن يابس لشجوها الحمامة البيضاء ، أما هو فكان يتمايل على إيقاع النغمات ويده الدربة تشج الجص إزميلا؛ غارقا بين الشدو وهائما بين ثنايا الزخارف!.
أنهى عمله، مقرنصة(1) ثُمانيّة تتعاشق أضلعها وأشعةَ شموس، ورؤوس نُجيمات ؛ في وسطها كان قد زرع - سلفا - حلقةً فولاذيةً، وفي الحلقة تبّث حبلا أزرق مائيا مُنتهٍ بأنشوطة على هيئة رأس أفعى.. طرفُها ؛ ترجّل عبره متأرجحا كبندول، ثم أزاح الكرسي جانبا. ومال على الحاكي (2) ورفع الشوكة، فتوقفت الموسيقى الحزينة، وارتفع شدو الحساسين، في حين صفّقت البيضاء بجناحيها وانطلقت عبر النافذة المشرعة تشق الفضاء، تروم استرواحا...

ما إن أنتهيت من توقيع الإضبارة التي قدّمها لي ضابط ثلاثيني، يجلس خلف مكتب عريض لم يصنع لأجله، دون أن يكلف نفسه رفع رأسه للتحديق في عينيّ، حتى ضغط بيمناه على زر، فصلصل جرس في الخارج. حينها دخل رجلان يرتديان زيين عسكريين. كان أحدهما بدينا، يكاد بطنه يفجر إبزيم زناره، وجهه مدور، و حاجباه غليظان، حليق الشاربين. و كان الثاني نحيفا بشكل مفزع، بدا في ثيابه الفضفاضة كالذي يرتدي ملابس مضحكة. لم أُدم التحديق إليهما، و فجأة استند الضابط بيديه على المكتب، ويستوي واقفا: "خذا هذين الجرذين إلى الزنزانة حتى..." لم أتبين بقية الكلمات، إذ سرعان ما هجم عليّ الشرطيان وسحباني بعنف، ثم انصفق الباب بعنف اهتز له الرواق  الطويل الممتد.

يحتفظ أحمد بذكريات قديمة عن شارع فرنسا الذي أصبح يحمل اسم شارع محمد السادس ...زار المكان في فترات متقطعة تفصل بينها سنوات ..
جلس خلف الزجاج في الركن الأيسر يتلهى بما يجري أمامه في انتظار صديق ضرب له موعدا في هذا المقهى .. الشمس غربت منذ حوالي ساعتين .. الشارع بدأ يضيق بزوار ليلة السبت الأحد بسبب تواجد العديد من الفنادق  والحانات والمراقص الليلية خلف المقاهي بالحي الشتوي  .. فتيات في سن الزهور ينظرن في هواتف نقالة .. يتحدثن ويبتسمن ببلاهة مقصودة ويلتقطن السيلفيات  وهن يتسكعن بالجوار أو يجلسن في المقاهي طمعا في اصطياد زبون يرغب في قضاء أمسية حمراء .. أغلبهن جميلات .. كأنهن مسكوبات من قالب في مصنع لإنتاج الدمى البشرية  .. فروق طفيفة في النحافة والبدانة والطول والقصر .. حرارة المدينة في فصل الصيف تدفع إلى الاقتصاد في اللباس و المبالغة في تعرية أطراف الجسد الأكثر فتنة مثل شعر الرأس و الذراعين والكشف عن حمالة النهدين والصرة  وارتداء شورطات قصيرة ترتفع إلى أعلى الفخذين ..

.....
 - فمن هى؟!.. ومن هو؟!.. ولم اجتمعا فى هذا الليل يا شهرزاد؟.
-  إنهما أنا وأنتَ.
-  أنا وأنتِ.. كيف؟!.
-  لقد عبرنا باب الحكايات فصرت أنا هى وأنتَ هو.. هل تذكر  يا مولاى حديث الليل.
-  ماذا به يا شهرزاد؟!.
-  يومها دخلت حكاياتى.. صرت جزءا منها، تُحْدث ويَحْدُث لك، لكنك لم تر يا مولاى بسبب هذه الأسوار، لذلك حين دخلت السرداب وعبرت وجدتنى يا مولاى على صورتى تلك، ووجدتك يا مولاى كما فى صورتى هذه.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة