عرف الشعر المغربي المعاصر طفرة في البنية الشعرية من حيث اللغة المستعملة والصورة والأسلوب البلاغي ، كما جدد صورته الشعرية من خلال تنويع الرموز والأساطير المستعملة بل وتناول قضايا مختلفة عكست اتجاها فريدا في الشعر المغربي لكن في ضوء ما حققه الشعر العربي العام من خلال بروز قضايا مهمة كتجربة الغربة والضياع ، وتجربة الحياة والموت والانتقال لمعالجة القضايا اليومية الطافية على السطح، وتوظيف الانزياحات ما جدد بنية اللغة الشعرية في مستويات مختلفة أرخت بظلالها على مجموعة من الشعراء المغاربة الذين عملوا على توظيف ذلك في إبداعهم الشعري المختلف الذي انعكس على النص الشعري المغربي المعاصر الذي واكب عصره وزمنه ، وطور نفسه في خضم التفاعل الثقافي مع التيار الشعري العربي العام.

لمجموعة مصطفى المسناوي القصصية " طارق الذي لم يفتح الأندلس" قيمة تاريخية تتحدد في امتلاكها لبداية سلطة إبداعية خولت لها موقعا رياديا يرتهن لحقبة سبعينيات القرن الماضي لما ابتكرته من أنماط سردية تجريبية بوأتها سبقا يؤسس لإرهاصات أشكال قصصية موسومة بالفرادة والتجديد.
فالنصوص الإحدى عشر التي تتضمنها دفتا المجموعة كتبت بين 1972 و 1978 مع تدوين اسم مدينة الدار البيضاء في آخر نص أي إنها تجسيد لحقبة الكتابة القصصية في سبعينيات القرن الماضي
بحمولاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية... المطبوعة بحدة أشكال صراعات دشنت لتنامي إواليات وعي وجودي وثقافي داخل أوساط الفئة المتنورة ( الإنتلجنسيا ) مما عرضها لأساليب تضييق وإجهاز على تصوراتها الطامحة لتغيير صادر عن رؤى متعددة المرجعيات والمشارب توجت بالزج برموزها في أقبية الزنازين وأصقاع المنافي.

عند قراءة روايات عبد الحميد بن هدوقة المترجمة إلى الفرنسية، لا يرتسم لدى القارئ انطباع بأنه يقرأ عمل مترجما، وذلك بفضل إنجازات مارسيل بوا في مجال الترجمة.
قبل وفاته بوقت قصير سنة 1996، لعب الروائي والكاتب المسرحي والشاعر عبد الحميد بن هدوقة، وهو مواظب على الكتابة، دورا رائدا في تأسيس التحالف الوطني للجمهوريين مع رضا مالكويل ومثقف آخر لا يقل أهمية وهو مصطفى شريف. يوضح هذا إلى أي مدى كان الروائي عبد الحميد بن هدوقة، مؤلف الرواية الأسطورية والمعتبرة "ريح الجنوب" (تحولت إلى فيلم)، في آن واحد رجل ثقافة، ولكن أيضا رجل عمل وسياسة.

تقديم:
يرى كثيرٌ من الدّارسين أنّ الرواية الأمريكيّة لم تحقّق خصوصيتها الفنّية والغرضيّة(Thématique) إلاّ في فترات مُتأخّرة ويعتبرون ما سبق تلك الحقبة من محاولات لا تخرج عن كونها مجرّد امتداد للأدب الأنقليزي بناءً على كون أمريكا كانت عبارة عن مجموعة من المستعمرات البريطانيّة وبالتّالي يعسُر الفصل في البدايات بين الموروث الأدبي الأنقليزي والموروث الأمريكي.

   في الحقبة الاستعماريّة كانت تُهيمن الكتابات الدينيّة والتّوثيقيّة المُتأثّرة بظاهرة "التطهيريّة"(Puritanisme) المسيحيّة والحاملة لتصوّرات أخلاقية ودينية وسياسيّة .وقد تُفسّر ظاهرة الفردانيّة والصفويّة الأمريكيّة انطلاقاً من هذه المعطيات الدّينية والتّاريخية. وستُترجم التّطهيريّة المسيحيّة أدبيّاً وفلسفيّاً في بروز تيّار "الفلسفة المُتعالية" (transcendantalisme) والقائمة على فكرة جوهريّة مُفادها أنّ الخير  متأصّل في الطبيعة والبشر في حين أن مؤسسات المجتمع تُفسدُ هذا النّقاء والطّهارة، وبالتّالي أفضل حالة يكون عليها الفرد هو بالتّعويل على ذاته والحفاظ على استقلاليته. هذه الفردانيّة المُتعالية تنبني على اعتقاد كون كلّ فرد يحملُ في داخله قبساً من الروح العليا الإلهيّة.

ديسمبر 2019، تاريخ صدور رواية "كافكا في طنجة" عن دار تبارك بالقاهرة، للكاتب المبدع والروائي محمد سعيد احجيوج، وكأنها انفلتت من بين أظافر جائحة كورونا  وتصدر كذلك بعد مرور أزيد عشر سنوات على صدور المجموعة القصصية الأولى للكاتب تحت عنوان: انتحار مرجأ سنة 2007، هكذا وفا بالوعد وتحققت نبوءتي بأن انتحار مرجأ المجموعة القصصية الأولى كانت إعلانا عن ميلاد كاتب مبدع سيقفز حتما لكتابة الرواية بشكل جديد ومغاير.

تصدر إذن رواية "كافكا في طنجة" ليستدعي الكاتب احجيوج الكاتب التشيكي فرانز كافكا Franz Kafka، جالبا إياه عنوة ليعانق طنجة وليشهد على مسخ لاحق ستشهده المدينة، وكأن الزمن التاريخي تأبد في اللحظة والآن حيث كان كافكا بداية القرن العشرين يعاني من الضياع والعبث مثلما يعانيه جواد الإدريسي بطل الرواية في الزمن الراهن. ربما أيضا تمكن الكاتب بذكاء أن يجعل من كافكا زائرا لطنجة كغيره من الكتاب العالميين خاصة بول بولز Paul Bowls وجون جيني Jean Jenet وصامويل بكيت Samuel Bekett  من خلال الرواية. يستدعي الكاتب كافكا عن طريق استلهام قصة المسخ حيث يوازي بين غريغور سامسا والبطل جواد الإدريسي.  وإذا كانت رواية كافكا "المسخ"أو "التحول"  [1]Die Verwandlung    هي التي دفعت غابريال غارسيا ماركيز  Gabriel Garcia Marquez أن يصبح روائيا، ها هي اليوم باستلهام نفس الرواية يعلن نص "كافكا في طنجة" عن ميلاد روائي مغربي مؤسسا لسرد مختلف ينشد العالمية من خلال انغماسه في البيئة المحلية بكل ما تحمله من رياء ونفاق و تناقضات.

محمد الماغوط (سلمية ،حماه 1934/دمشق2006 ) ظاهرة شعرية حديثة بامتياز في الأدب العربي الحديث وهو ليس كغيره من الشعراء الذين تخرجوا من أرقى المعاهد والكليات ولا من الذين أوصى بهم الأمراء والوجهاء إنه شاعر شحذته المواقف وتعهده الجوع وأوصى به الفقر فكان رجل مواقف وشاعر إباء خاض تجربة قصيدة النثر في وقت اشمخرت فيه صروح شعر التفعيلة برغم اعتراضات النقاد الكبار عليه ونخص بالذكر الراحل الكبير عباس العقاد الذي كان يسمه بالشعر السائب ويحيل قصائد الشعراء الشباب في ذلك الوقت من أمثال أحمد عبد المعطي حجازي ونزار قباني وصلاح عبد الصبور على لجنة النثر للاختصاص إمعانا في السخرية وفي عدم الاعتراف بهذا اللون من الشعر،أرض جديدة إذا قطعها الماغوط ،أرض بكر لم يقتحم مجاهلها رائد من قبل بمعية يوسف الخال وأدونيس في مجلة شعر وفي مدينة التجريب والمغامرة بيروت التي دخلها سرا في الخمسينات.

من بين أهم الأشياء التي يمكن أن تثير فضولنا المعرفي ؛ العلاقة التي ينسجها ، من خلال الإبداع ، الأدب بوقائعَ تاريخية واجتماعية . وهي رحلة نحو تمثيل الحياة بكل واقعية ، بل نسخها ونحتها في قالب أدبي و تخييلي مميز . في رحلة الأدب الواقعي لابد أن نصادف ، ونحن في الطريق ، نتفا تاريخية تجعلنا ننصت ، بل نرهف الإنصات إلى همسات منسية من سير أسمعت من به صمم . وبهذا ، لا يجرنا الحديث ، أبدا ، إلى أمهات السير ذاتية العربية ، التي شقت الأرض وغيَََمت السماء ( الأيام ، الخبز الحافي ، زمن الأخطاء ، في الطفولة ...) ، وإنما سيكون الكلام مقتصرا على روايتين كتبتا بلغة موليير؛ فأصبحتا مزارا لكل المتيمين بالأدب المغربي ـ الفرنكفوني .
إن " صندوق العجائب " لأحمد الصفريوي ، و" الماضي البسيط " لإدريس الشرايبي اعتبرتا من بين الإبداعات المؤسسة للأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية ؛ ولأنه التأسيس ، لابد أن يتفردا في بنائهما الأدبي ، وأن تكون لهما نقط مشركة ذات منحى واقعي وتاريخي بالأساس ، ومن هذه الزاوية يصبح التاريخُ معطفا أنيقا تتدثر به السيرة الذاتية . فالحياة التقليدانية التي عاشها المغرب ، إبان فرض الحماية للسلطات الفرنسية ، كانت مشتلا حيا لهاتين الروايتين. واستطاعتا أن تعبُرا مسافة زمنية دامت زهاء سبعة عقود من الحضور و التألق و التشكل المستمر .

" الدخان" تجربة روائية جيدة.. تشير إلي موهبة ومعالم نضج فني مبكر طاقة ورغبة عارمة مضطرمة لدى الكاتب ضياء الدين عثمان في انجاز مقاربات سردية للعالم وفي التحقق السردي- (ما يسميه [الناقد المغربي] يقطين بالهوية السردية بوصفها جسرا لتجاوز كافة الهويات الأخرى المكبلة لانطلاقات الذات في الهواء الكوني-الإنساني العريض).
" الدخان “تجمع و تتحرك -مهمومة بتحريك جملة من الممكنات- في اتجاه أن تحقق ذاتها السردية من خلال تشغيل شبكة من الأدوات: النقر الدائم على الذاكرة عبر تكنيك الاسترجاع الذي تتيحه الفلاش-باكات متخذة من محوري الأحداث (الخرطوم وقرية "أم بشوشة" المتخيلة) نقطتي انطلاق جيئة وذهابا. وضمن هذا المسعى التحقّقي, يلاحظ رج الرواية لرتابة الزمن التسلسلي بإصرار عبر تكسير وتقطيع زمني متواصل متجلٍ في أحداثها وفي تقسيم فصولها بطريقة لافتة وغير تقليدية، إذ تبدأ الرواية بالفصل "بعد الأخير "ثم يليه الفصل "قبل قبل الأخير"، وتظل تكرر بعض أسماء الفصول مع إضافات دالة هنا وهناك على الطريق المتعرجة. وهكذا تدور فصول النوفيلا على ظهر ذاكرة ملتهبة جامحة تقفز إلى الأمام كرةً وتنثني راجعة مرات؛ ساعية خلال العملية إلى تحقيق ما أمكن من اندغامات زمكانية-طاقية (سودانياً هذا الشكل من الشغل الذاكراتي المدّور هو المحبب لدى الكاتب الكبير[السوداني] عيسى الحلو ويتجلى في العديد من أعماله).

مفضلات الشهر من القصص القصيرة