مقدمة :
تبدو الرواية المنجزة مؤخرا للرّوائي الجزائري واسيني الأعرج  الموسومة بـــــــ ليليات رمادة من بين النُّصوص التي تثير أكثر من إشكال، فبالإضافة إلى نسختها الرّقمية المُتَاحَة على شبكة التّواصل الاجتماعي التي كُتِبَت مُنَجَّمَة ومصحُوبة بتعليقات القُراء فإن النّص الذي صدر حديثا -  سيصدُرُ قريبا عن دار الآداب اللبنانية في مطلع شهر أكتوبر- [1] قد تغير كثيرا عن نسخته المُنجَّمة ليتحول في بنائه ونهايته وأشكال تفاعله .

و يُحيلُ  النّص الرّوائي أساسًا من خلال عمليَّات تراكُميَّة مُتنوِّعة على دلالات وقيم مُختلفة ترسم ملامح النّص وتفضح عُمقه الإيديولوجي الذي يحتاجُ إلى إنعام وتفحُّص لكشف ما يحمله من أفكار. ولكنّ هذه الأفكار تظلّ دائما محكومة بما يُحيلُ عليه النّص المحايث أو العتبات هي رؤى  حمّالة للدَّلالات والمعاني كاشفة لمنظُومة القيم يصدر عنها النّص .إذ لا يُمكن قراءة الواقع من منظور واحد .هو أشبه بمُفترق طرق للمعايير والقيم المتداخلة والمتشابكة ....ويتمثّلُ دور الروائي في تفكيك وتفصيل هذه التَّقاطعات واختزالها إلى عناصرها العميقة والأساسيّة  . [2]

مقدمة: السينما بوصفها محاكاة للواقع، يمكن أن تقع موضوعا للتحليل، و تدرج الأحداث من حلقة إلى أخرى في زمان ومكان مخصوصين، وبتدخل شخوص ذات مواصفات معبر عنها أو معبرة عن ذاتها، يمكن أن يكون محل تمحيص وتدقيق نظر، إنها بهذا المعنى أي السينما لغة أو شكل تعبيري، بل هي عالم يتميز بخصوصيات عدة لكنه يظل على اتصال بالواقع وبحياة الناس، من خلال ذلك الخيط الدقيق الذي هو التعامل بنفس عملة الواقع؛ فهو يصور واقع حياة الناس منضبطا للمتعارف عليه من الأسباب والنتائج. ولا يكسر منطق السبب والنتيجة في شيء إذ أنك لا يمكن أن تجده يعطي السلطة وقوة الظهور لغير أهلها، ولا العيش على هامش الحياة لغير الشخوص الذين يلقون ذلك المصير في الواقع مثلا... وزيادة عن البعد الواقعي لأي عمل سينمائي تلفزي ( مسلسل، فيلم، فيلم قصير...) يحضر البعد الفني الذي من خلاله تتجلى خواص السينما كفن؛ ففي هذا المستوى تكمن الرسالة التي يختزنها العمل السينمائي، وفيه يتم العمل عليها. من مثل: توجيه المتلقي إلى نوع من الفهم المخصوص، أو إطلاق عنان التأويلات حسب تنوع فئة المتلقين...إلخ. وهو أمر يعتمد أساس على رؤية المبدع للعالم وثقافته و مبادئه.

اليابان البلد القصي عند الطرف الآخر من الأرض هذا الأرخبيل الذي تعلم الإنسان فيه أن يواجه مصاعب الطبيعة الأرض المتشظية أفلاذا في شكل جزر،والأعاصيروالزلازل التي لا تحابي بشرا ولا حيوانا  ،هذا البلد الذي تعلم كيف يصغي إلى العالم فيأخذ أفضل ما عنده من معارف علمية وتقنيات في بدايات القرن دون أن يفقد خصوصياته الروحية والسياسية والثقافية والاجتماعية فيطلع إلى العالم بمعجزة التقانة والصناعة وقد كان الراحل يوسف إدريس يقول: أخاف من الألمان واليابانيين من عقدة التفوق عند الألمان وعقدة النقص عند اليابانيين ،تعلمنا- ومن العلم ما قتل- نحن العرب أن نخضع في أحكامنا وفي تبعيتنا للغرب الأمريكي والأوروبي وفي خضم ذلك نسينا جزء هاما من الأرض ومن التاريخ ومن الثقافة في الطرف الآخر من الأرض فاليابانيون تعلموا أن لا يخضعوا للهيمنة الأوروأمريكية وأن يبحثوا بأنفسهم ويترجموا بأنفسهم ويعرفوا العرب وثقافتهم بأنفسهم بلا وسيط أوروبي أو أمريكي أذكر أن كاتبا عربيا التقى بباحث ياباني جاء إلى القاهرة في مهمة ترجمة مقدمة ابن خلدون إلى اللغة اليابانية فلما استغرب الكاتب العربي ذلك أضاف الباحث :نحن نملك ترجمات للمقدمة من اللغات الحية ولكن لا نملكها من العربية رأسا ،حكومتي ترغب في نقلها من العربية، لا شك أن النقل من العربية مباشرة غير النقل من لغة وسيطة حية. هذا المثال الحديث يبين كيف يعتمد هذا الشعب النشيط على نفسه.

عرف الشعر المغربي المعاصر طفرة في البنية الشعرية من حيث اللغة المستعملة والصورة والأسلوب البلاغي ، كما جدد صورته الشعرية من خلال تنويع الرموز والأساطير المستعملة بل وتناول قضايا مختلفة عكست اتجاها فريدا في الشعر المغربي لكن في ضوء ما حققه الشعر العربي العام من خلال بروز قضايا مهمة كتجربة الغربة والضياع ، وتجربة الحياة والموت والانتقال لمعالجة القضايا اليومية الطافية على السطح، وتوظيف الانزياحات ما جدد بنية اللغة الشعرية في مستويات مختلفة أرخت بظلالها على مجموعة من الشعراء المغاربة الذين عملوا على توظيف ذلك في إبداعهم الشعري المختلف الذي انعكس على النص الشعري المغربي المعاصر الذي واكب عصره وزمنه ، وطور نفسه في خضم التفاعل الثقافي مع التيار الشعري العربي العام.

لمجموعة مصطفى المسناوي القصصية " طارق الذي لم يفتح الأندلس" قيمة تاريخية تتحدد في امتلاكها لبداية سلطة إبداعية خولت لها موقعا رياديا يرتهن لحقبة سبعينيات القرن الماضي لما ابتكرته من أنماط سردية تجريبية بوأتها سبقا يؤسس لإرهاصات أشكال قصصية موسومة بالفرادة والتجديد.
فالنصوص الإحدى عشر التي تتضمنها دفتا المجموعة كتبت بين 1972 و 1978 مع تدوين اسم مدينة الدار البيضاء في آخر نص أي إنها تجسيد لحقبة الكتابة القصصية في سبعينيات القرن الماضي
بحمولاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية... المطبوعة بحدة أشكال صراعات دشنت لتنامي إواليات وعي وجودي وثقافي داخل أوساط الفئة المتنورة ( الإنتلجنسيا ) مما عرضها لأساليب تضييق وإجهاز على تصوراتها الطامحة لتغيير صادر عن رؤى متعددة المرجعيات والمشارب توجت بالزج برموزها في أقبية الزنازين وأصقاع المنافي.

عند قراءة روايات عبد الحميد بن هدوقة المترجمة إلى الفرنسية، لا يرتسم لدى القارئ انطباع بأنه يقرأ عمل مترجما، وذلك بفضل إنجازات مارسيل بوا في مجال الترجمة.
قبل وفاته بوقت قصير سنة 1996، لعب الروائي والكاتب المسرحي والشاعر عبد الحميد بن هدوقة، وهو مواظب على الكتابة، دورا رائدا في تأسيس التحالف الوطني للجمهوريين مع رضا مالكويل ومثقف آخر لا يقل أهمية وهو مصطفى شريف. يوضح هذا إلى أي مدى كان الروائي عبد الحميد بن هدوقة، مؤلف الرواية الأسطورية والمعتبرة "ريح الجنوب" (تحولت إلى فيلم)، في آن واحد رجل ثقافة، ولكن أيضا رجل عمل وسياسة.

تقديم:
يرى كثيرٌ من الدّارسين أنّ الرواية الأمريكيّة لم تحقّق خصوصيتها الفنّية والغرضيّة(Thématique) إلاّ في فترات مُتأخّرة ويعتبرون ما سبق تلك الحقبة من محاولات لا تخرج عن كونها مجرّد امتداد للأدب الأنقليزي بناءً على كون أمريكا كانت عبارة عن مجموعة من المستعمرات البريطانيّة وبالتّالي يعسُر الفصل في البدايات بين الموروث الأدبي الأنقليزي والموروث الأمريكي.

   في الحقبة الاستعماريّة كانت تُهيمن الكتابات الدينيّة والتّوثيقيّة المُتأثّرة بظاهرة "التطهيريّة"(Puritanisme) المسيحيّة والحاملة لتصوّرات أخلاقية ودينية وسياسيّة .وقد تُفسّر ظاهرة الفردانيّة والصفويّة الأمريكيّة انطلاقاً من هذه المعطيات الدّينية والتّاريخية. وستُترجم التّطهيريّة المسيحيّة أدبيّاً وفلسفيّاً في بروز تيّار "الفلسفة المُتعالية" (transcendantalisme) والقائمة على فكرة جوهريّة مُفادها أنّ الخير  متأصّل في الطبيعة والبشر في حين أن مؤسسات المجتمع تُفسدُ هذا النّقاء والطّهارة، وبالتّالي أفضل حالة يكون عليها الفرد هو بالتّعويل على ذاته والحفاظ على استقلاليته. هذه الفردانيّة المُتعالية تنبني على اعتقاد كون كلّ فرد يحملُ في داخله قبساً من الروح العليا الإلهيّة.

ديسمبر 2019، تاريخ صدور رواية "كافكا في طنجة" عن دار تبارك بالقاهرة، للكاتب المبدع والروائي محمد سعيد احجيوج، وكأنها انفلتت من بين أظافر جائحة كورونا  وتصدر كذلك بعد مرور أزيد عشر سنوات على صدور المجموعة القصصية الأولى للكاتب تحت عنوان: انتحار مرجأ سنة 2007، هكذا وفا بالوعد وتحققت نبوءتي بأن انتحار مرجأ المجموعة القصصية الأولى كانت إعلانا عن ميلاد كاتب مبدع سيقفز حتما لكتابة الرواية بشكل جديد ومغاير.

تصدر إذن رواية "كافكا في طنجة" ليستدعي الكاتب احجيوج الكاتب التشيكي فرانز كافكا Franz Kafka، جالبا إياه عنوة ليعانق طنجة وليشهد على مسخ لاحق ستشهده المدينة، وكأن الزمن التاريخي تأبد في اللحظة والآن حيث كان كافكا بداية القرن العشرين يعاني من الضياع والعبث مثلما يعانيه جواد الإدريسي بطل الرواية في الزمن الراهن. ربما أيضا تمكن الكاتب بذكاء أن يجعل من كافكا زائرا لطنجة كغيره من الكتاب العالميين خاصة بول بولز Paul Bowls وجون جيني Jean Jenet وصامويل بكيت Samuel Bekett  من خلال الرواية. يستدعي الكاتب كافكا عن طريق استلهام قصة المسخ حيث يوازي بين غريغور سامسا والبطل جواد الإدريسي.  وإذا كانت رواية كافكا "المسخ"أو "التحول"  [1]Die Verwandlung    هي التي دفعت غابريال غارسيا ماركيز  Gabriel Garcia Marquez أن يصبح روائيا، ها هي اليوم باستلهام نفس الرواية يعلن نص "كافكا في طنجة" عن ميلاد روائي مغربي مؤسسا لسرد مختلف ينشد العالمية من خلال انغماسه في البيئة المحلية بكل ما تحمله من رياء ونفاق و تناقضات.