لاشئ يجعلنا عظماء غير ألم عظيم  "ألفريد دي موسيه "

الألم كظاهرة جسمانية أو نفسية مظهر من مظاهر النقص في الكائن البشري وآية عدم سويته، إنه يصيب الإنسان بالعجز ويحسسه بانسحاقه وبعدم قدرته على مزاولة حياته اليومية كغيره من بني جنسه.
وسواء أكان الألم جسديا أم نفسيا فإنه يلقي بظلاله الشاحبة على عالم اللاوعي ويمسح بكآبته على سراديب الروح فيحس الفرد بنقصه وربما عدم كفاءته -على الأقل- في ممارسة الحياة العادية كعامة الناس.

تظل الرواية ظاهرة مثيرة للجدل ، لا على مستوى البناء الحداثي الذي تصبو إليه  من خلال أعمال رائدة  فحسب ، بل على مستوى المضامين أيضا ، التي تؤلف بين بنياتها ، والقضايا الحاسمة و المصيرية ، التي تتشكل من داخلها . فإن كانت الغاية التي تطمح إليها هي خلخلة واقع موبوء  و نفض الغبار عن مصير أو انتماء ؛ فإنها ، بذلك ، تشغل بال الفكر وتؤرق الواقع أيضا ، بل تذهب إلى حدود أن تلامس الوجدان الإنساني ، مادامت المعاناة قضية شاملة للوجود ككل ، بما هي ـ أي المعاناة ـ خيط ناظم ، على امتداد التاريخ الثقافي  والفكري  ، للكل التجارب الإنسانية . فبالحديث عن الرواية ، كتجربة إبداعية ، نطل من خلالها على رمزية الوجود في أسمى معانيه . فضلا على استبانة ، أمام ضمير العالم ، حق تقرير المصير الفردي  والجماعي .و خصوصا إذا ما انفتحت الرواية على تجربة الآخر ، من خلال نقلها إلى لغات أخرى بفعل الترجمات ، التي غالبا ما تفنن في صيد وانتقاء مفرداتها ، وعباراتها السابحة في ماء الحكاية  . فمن بين الروايات العربية التي تتقلب في وجداننا و تقض مضاجعنا ، بل تنغص الضمائر الحية ، وتجعلنا أمام شلال  من الأضواء الكاشفة للذات و للآخرين ؛  الرواية الفلسطينية .

قراءة في نصوص منفلتة ومسافات.. محمد آيت علو: "باب لقلب الريح... من أجل كوة فرح"
وكان، ويا ما كان..!
العبارة الأثيرة في السردية العربية، بها تبتدئ الحكاية، ولا تنتهي، إلا بانتهاء الحكي المباح، واستئناف الكلام اللا مباح، المرغوب بذاته، كاكتمال لغواية الحكي...
نبتدئ بها نحن أيضا مقاربة نص عزيز على القلب، قرآناه ونعيد قراءته. رغم بعد المسافة ـ والمسافة مسافات ـ لا يختلف المذاق في الفم، ولا الأثر في القلب. الأحاسيس نفسها، رغم مرور الزمن، وربما تعتقت ببعد المسافة ـ والمسافة مسافات...

عادِ إلّي يْعَجِّزْ في بْلادَهْ غِيرْ إلّي يْعجِّزْ ضِيفْ/ الأبنودي
تمنح قصّة " ضيف على العالم" عنوانها لكامل المجموعة الصادرة في 2017 عن "فضاءات" للنّشر والتوزيع، والمؤلّفة من ثمان وعشرين قصّة، وتقع منها في المرتبة السادسة والعشرين، تليها قصّتا روابط عائليّة و" النائمون الجميلون". وهي إلى ذلك القصّة الطويلة الثانية مقارنة بالبقية التي تقتطع من النفس السرديّ للكاتب عشر صفحات.

في منزل باسترناك
قبل عدة اسابيع ، زرت منزل ( الآن متحف ) الشاعر بوريس باسترناك في ( بريديلكينا ) ، بلدة الكتّاب في العهد السوفيتي ، الواقعة في ضاحية موسكو الشمالية. هنا عاش الشاعر بين عامي 1939-1960 . وهنا تلقى نبأ فوزه بجائزة نوبل في الأدب لعام 1958 . وهنا توفي في 30 مايو 1960.
منزل خشبي من طابقين مثل كل منازل البلدة . غرفة نوم ، ومكتب الشاعر ومكتبته الشخصية الثمينة في الطابق الثاني . اثاث البيت متواضع ، ولكن البيانو الأسود العائد لوالدته ، روزاليا باسترناك ، واللوحات الفنية الرائعة ، والصورالمعلقة على جدران غرفة المكتب والصالة – وهي من ابداع والده الفنان الشهير ليونيد باسترناك - تدل على ان الشاعر نَشَأَ وَشَبَّ في اجواء فنية راقية، حيث كان يتردد على منزل العائلة العديد من كبار الفنانين والادباء وبضمنهم الكساندر سكريابين وليف تولستوي.

تنضاف مجموعة "ضرع لا ينضب" القصصية لرصيد لحسن حمامة السردي ، فهي المجموعة السادسة والإصدار السابع الذي استأنف فيه الكاتب مغامرته الإبداعية في جنس ظل وفيا لإغراءاته وغواياته لأكثر من أربعة عقود بعد استراحة محارب في منجز مغاير موسوم ب "سدول ومياه سدم" وهي تجربة بطروحات وأبعاد سوسيو ثقافية تعكس هموم وانشغالات  الكاتب بقضايا ذات طابع اجتماعي  وثقافي...ظلت منخرطة في صلب اهتماماته الفكرية والإبداعية ، بل ساهمت في تأسيس وبلورة رؤية غنية بزخم إبداعي يروم التغيير والتبديل من خلال جنس القصة القصيرة بما تتيحه مكوناتها التعبيرية و الجمالية ، وأبعادها الدلالية من آفاق تتغيا استشراف عوالم ترهص بالتغيير والتحول للقطع مع زمن الركود والجمود.

الشعر أفيون الذات ( ومفردة أفيون تعني التخدير ) لذلك مانلاحظه بأن حالة من السكر تصيب المتلقي من خلال ذاتية الباث التي اعتمدت قصدية المعاني، والبحث عن المحسوس التأملي؛ وهذا يعني لنا تحرير المحسوس وانطلاقة تجلياته بين الأشياء وبين ماتطلقه الذات في مرحلة تنقيبها عن عالم لتستقرّ به، فالذات تعوم على بحر من العوالم التي تدور حولها؛ والمحسوس بتأملاته يشكل الباث الأوّل من خلال البحث عن تلك العوالم واختراق معانيه والتعامل معه من خلال إيجاد علاقات في الحقول الخيالية والتصويرية وكذلك التصورية، خارج الحدود التي ينتمي إليها المحسوس، بل هو في حالة من حالات التحرر الإستطيقي من جهة، والتحرر مع المختلف؛ فالاختلاف يؤدي إلى مساحة من اللغة التعيينية والتي لها علاقة مع الرمزية؛ وطالما نحن مع الاختلاف النوعي والاختلاف اللفظي فإننا في منطقة الخيال والتخييل، فالمتخيل يتحرك مع المحسوس لتأسيس منظوره الشاعري في التأمل الحسي، ولا نستطيع التخلي عن المحسوس مهما كانت غرفة الخيال مسيطرة وحجم مساحتها وتأثيرها على الذات أو الذهنية، فالمحسوس يتحرك بشكله التأملي ليجد منطقته الحسية أيضا وتصويب ونقل الأشياء المحسوسة من الخارج والداخل، ونقول الداخل، وذلك لوجود خزائن المعرفة الحسية وكذلك المعرفة المنظورة من خلال المحسوس واتجاهاته نحو الإمساك بالجمالية طالما أنّها من عوامل تحرره واتجاهاته نحو الإستطيقا.. فالصورة الحسية تصاحب المحسوس، وتعمل رسالة؛ رسالة إلى المرسَل إليه؛ ليتكون لدينا محسوس آخر، له استقباله كمرسَل إليه، ليصبح أحد أدوات النصّ عن التأسيس والتشييد، ويشارك في التفاعلات والانفعالات النصية والتي يدخلها المحسوس ولو بشكل جزئي..

رجلان منبوذان من مجتمعهما منذ لحظة ولادتهما، يقتاتان يوميا من السرقة، الأول تركته أمه لقيطا على عتبة المؤسسة العامة لرعاية اللقطاء في ديسمبر/كانون الأول 1910 ولم يكن قد أتم عامه الأول بعد، والثاني وُلد في 1935 لعائلة تترنح أوضاعها بين الفقر والفقر المدقع. والد الأول ظل مجهولا، أما الآخر فعرف أباه، ولكنه عرفه أبا قاسيا قتل أخاه أمام عينيه. احترف الأول ممارسة كل أنواع الشرور، أما الثاني فعرف صغيرا كيف ينتقي من بين أكوام القمامة طعامه، كلاهما عاش على أطراف المدينة حيث الفقر والجوع والجريمة، كانت باريس موطن الأول، أما الثاني فطنجة مدينته.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة