إن استدعاء الطفولة في سيرة "رهاب متعدد" للكاتب عبد اللطيف محفوظ، سفر إلى مرحلة من العمر لا تعترف بالزمن ، وتعيش العالم والحياة بسحر الخيال لتجعل منه منارة الوجود. فالسيرة هنا أقرب إلى الرحلة الصوفية، تفتح أبواب التذكر والاستبطان، لينطق الطفل بحكمة الراشد التي تسكن مداخل الروح. فخطاب الطفولة في سيرة "رهاب متعدد" أهم دليل على وعي الكاتب بماضيه، حين استدعاء الطفولة في لحظة تجل ذاتية يتعرى فيها الطفل أمام الراشد لتنكشف بعض أسرار الوجع،  وتطفو تباريج القلق، لحظتها تنساب لغة البوح وهي تجرد غموض حواجز نفسية تشكلت لدى الكاتب انطلاقا من مواقف وأحداث أحاطت بطفولته، وآثارها على نفسيته لاحقا.
إن استعمال الكاتب لتشفيرة الطفولة - المشار إليها تحت العنوان بالواجهة الأمامية للغلاف- يؤشر على المكاشفات السيرية التي تطفو عندها ازدواجية الذات المكونة من طفل متكلم وكتابة تضم هذا الطفل.  فالكاتب ينتدب نفسه باعتباره طفلا ومرشدا لهذا الطفل. إن ما حدث لهذا الطفل وانفلت منه  يتحول إلى سؤال لدى الكاتب.  فعدم التطابق أساسي لأنه يمكن القارئ من أن يستشعر رغبة الكاتب في أن ينكشف انطلاقا من العلاقة التي يقيمها مع ذاته مستثمرا تشفيرة الطفولة، دون  أن يبرح هذه العلاقة التي تجعل الطفل ينتمي إلى مكان وزمان أعاد إدراكهما الراشد.

في عملها "اغنية هادئة"، والتي فازت بجائزة الغونكور سنة 2016 تثير ليلى السليماني مجموعة من المواضيع الشائكة. لكن هذه الأخيرة تنتظم حول نقطة واحدة وهو "الوعي الشقي المعاصر الذي رافق تحولات الحياة المعاصرة". إنه صرخة وليس عمل أدبي، احتجاج وإثارة لترسبات الحياة المعاصرة التي باتت تفترسنا بتعبير ليلى السليماني. هكذا اتخذت الكاتبة من اليومي مادة لعملها، ولكنه يومي أصبح تجارة رائجة بالغرب ويضمن لخبراء هذه المادة الحظوة والدخول لعالم الاداب بقليل من الذكاء.
شخوص الرواية تتخذ أبعادا ودلالات انطقتها الكاتبة قيما معاصرة تعكس صراعات العصر وتحولاته، خصوصا وأنها شخوص تبوح من جغرافية غربية فرنكوفونية. لكن الشخصية الرئيسية اختير لها هوية اسلامية واسم متداول عربيا ولكنها مسلمة "لايت" ذات ملامح معينة (لها موقف سلبي من الحجاب واللغة العربية ...) هذه الشخصية تحمل تحديات اثبات الذات وتخوض مسيرة تشخصن طويلة ومضطربة من داخل علاقة زواج مع رجل فرنسي الاصل وهي القادمة من المغرب. فتبدأ هكذا محنة تلك العربية المسلمة في عالم جديد تطرح فيه مشكلة التربية، والقيم ووضعية المرأة، والصراع الطبقي او الفوارق الاجتماعية التي تبرز عبر شخصية "لويز" الخادمة والمربية التي تنقلت بين عائلات متعددة كمربية تعوض الام التي خرجت للعمل مضطرة أحيانا وباحثة عن تحقيق الذات احيانا أخرى...عبر هذه الشخوص وأخرى كثيرة تنقل الكاتبة مختلف الانفعالات والعواطف الانسانية التي تتفجر، والحياة قد استبدت بنا.

يظل علمُ الجمال فرعا من فروع نظرية الأدب ، فلا حديث عن الأدب بمعزل عن الجمال ، بما هو فصيل فلسفي وترعرع تحت فيئه وتحت عريشه الضليل . ففي منتصف القرن الثامن عشر استقل علم الجمال بمنهاجه و مصطلحاته  وعناصره عن باقي العلوم الأخرى . في مقابل ذلك ، فالجمال موجود في الطبيعة الحية و الجامدة ؛ في الإنسان و تصرفاته . ففي مستهل القرن التاسع عشر استطاع علم الجمال أن يحلق فوق باقي العلوم ، منشدا الحرية التي كان يتوق إليها ؛ بذلك حقق جزءا هاما من طموح القائمين بالشأن الأدبي والثقافي . علاوة على ذلك ، فنظرية الفن تضم ثلاثة أبواب كبيرة هي : الأدب و الرسم  والموسيقى . إن علم الجمال كامن في الأدب ، وذلك عندما يربط الفن و بالواقع . أو عندما يصبح جمالُ الأدب صورة للواقع . ونتيجة لذلك ، أصبح لعلم الجمال تعريفٌ ذائع الصيت ؛ " هو علم جوهره الفن يتم عبره استيعاب  وإدراك العالم بواسطة الإنسان" ؛ وبالتالي قد ألف ـ أي التعريف ـ بين مختلف التوجهات ، التي تهتم بعلم الأدب .

في العام (1964)، وفي (القاهرة) حيث كنت أعيش، كتبت قصيدتي (هايكو ــ تانكا)، وفي العام نفسه كتبت قصيدة لي، بعنوان (توقيعات)، عندها أدركت أن (قصيدة التوقيعة) أشمل وأكثر تنوعاً وإبداعاً من الهايكو. وهكذا بقيت أكتب طيلة نصف قرن عدة أنواع شعرية فرعية: (الهايكو، الومضة، الملصقات، اللافتات)، تحت عنوان واحد هو (قصيدة التوقيعة). كنت آنذاك قد أصبحت عضواً في (الجمعية الأدبية المصرية) في نوفمبر 964، التي كان يتناوب على رئاستها (عز الدين إسماعيل ــ صلاح عبد الصبور)، وغيرهما. آنذاك كنت أقرأ هذه (التوقيعات) في ندوات الجمعية. وفي أوائل السبعينات قمت بجمع عدد من هذه التوقيعات في ديوان صغير، محدود ، طبع في بيروت، وفي الألفية الجديدة، أصدرت (طبعة ثانية) موسَّعة من (توقيعات عز الدين المناصرة). واعترف عدد هام من الباحثين والنقاد، وكتاب (الهايكو) الشباب الجدد، بدوري في ريادة فن الهايكو، باعتباره فرعاً من فروع (فن التوقيعة). وما زلت أؤمن بأن (التوقيعة الشعرية)، أفضل المصطلحات لهذا النوع من الشعر، الذي يعتبر بعد (قصيدة العمود ــ الموشح ــ الشعر الحر التفعيلي ــ قصيدة النثر)، هو (النوع الخامس) الجديد القديم. وكنت قد استوحيت هذا النوع الشعري من هذا المزيج الرائع: (التوقيعة النثرية العباسية ــ والمقطعات الشعرية ــ والإبيجرام اليوناني - وفن الهايكو الياباني). وكنت قد قدّمتُ (تعريفاً موسعاً) لفن التوقيعة الشعري، تناقلته مراجع عديدة. لقد أتاحتْ (التوقيعة) لكُتّاب أي فرع شعري أن يكتبوه موزوناً أو قصيدة نثر،وأن يوسّعوا (موضوعاتها ).

الكتابة عمل تحريضي ؛يحرض الذات ضد الآخر ..إن الذات وهي تكتب إنما تفعل ذلك لكي تدل على ماهو مفقود منها [1] هكذا هو "محمد اسليم"  المترجم ، الناقد  الروائي ، صوت متفرد ورائد من رواد الثقافة والأدب في العالم العربي ، تميزت  كتاباته النقدية بالفاعلية العلمية الفاحصة الصارمة وكذا الأخلاقية و التحليل المرن/المستشرف المنفتح والمسؤول واللغة الباذخة يهدف هذا المقال الاطلال من كوة صغيرة جدا على  عوالم نقدية وأدبية ساحرة ممتدة في جغرافيات عربية وغربية قراءة /نقدا وترجمة شيدها بعمق ناقدنا الحصيف.

ولشيء صحيح قال العرب " من ألف فقد استهدف "[2] ، فمحمد أسليم الذي  أصدر[3]مجموعة من الدراسات النقدية المائزة تند عن الحصر :

كحديث الجنة (1996) ، كتاب الفقدان (1997) ، سفر المأثورات (1998) ، بالعنف تتجدد دماء الحب (1999) ، الفرونكوفونية وتدريس اللغات الأجنبية في المغرب (1994) ، اللغة والسلطو والمعرفة في المجتمع المغربي (1996) ، لغة العلاج والنسيان (1996) ، الدولة الاخلاق والسياسة في السياق العربي( 1998) ...

  • انعقد فى باريس، ومدن فرنسية أخرى (بوردو – غرونوب،مارسيه)، مهرجان (ربيع الثقافة الفلسطينية) لمدة أسبوعين، فى (مايو، 1997)، بمشاركة ثلاثة شعراء فلسطينيين عالميين، هم: (محمود درويش – عز الدين المناصرة – فدوى طوقان)، وهم على التوالى ينتمون للمدن الفلسطينية التالية (عكا – الخليل – نابلس) –كما شارك فى هذا المهرجان المهم، عدد من القصاصين والروائيين من مدن فلسطينية أخرى، أبرزهم: (سحر خليفة – أنطون شمَّاس – زكى العيلة – غريب عسقلانى – ليانة بدر – رياض بيدس)، والمؤرخ الفلسطينى (إلياس صنبر.وقد وصفت (جريدة القدس العربى 2/3/2014)، المهرجان بأنه (يشكّل نقلة نوعية، وغير مسبوقة على الصعيد الأوروبي). وقد حضرت حشود عربية وفرنسية، فاعليات وأمسيات المهرجان، يتقدمهم مثقفون ومفكرون ونقاد فرنسيون منهم: (جاك ديريدا – مكسيم رودونسون – تسفتيان تودوروف),

  

عندما كلفني الصديق أحمد أشقر (مشكوراً) بمراجعة وتقديم مخطوطة كتابه القيّم (الصراع على الهوية في اللاهوت اليهودي)، تذكرت حواري مع (جاك ديريدا) في باريس عام (1997)، حيث تمحور حول التفكيك والحفر وتأجيل حسم الدلالة، لأنَّ الظاهر ليس هو المعنى الحقيقي للأشياء. فالبحث العلمي يبدأ بالشك، واللاتمركز، والاعتراف بالاختلاف، بحثا عن المعنى اللانهائي.
ويُعرّف (ديريدا) عام 1996- (التفكيك) بأنه: (شيء مثل علم الأنساب، بمعنى نيتشي معين، أي حركة أنسابية، (جينالوجية)، لتركيب جديد، أو فكّ التركيب بالصعود صوب الأصل والمصدر)- (المناصرة 2007؛ 551).

ماذا لو خطونا خطوتنا على أثر الفكرة في اللغة ، فهذا يعني سنجاور بعض المقاربات الرمزية ضمن منهجية معنى المعنى الذي يدعمنا حول الخوض في قصائدية مرحلتنا الان ، لذلك ينسجم الماضي مع الآن ، ولكن قوة الآن المستقبلية والحضورية هي الأقوى ، لأن الماضي قد مضى ، وإعادته ضمن دائرة حاضرة وليس دائرة الماضي ، ومثلما تتقارب اللغة الرمزية في النصّ الشعري ، تتقارب معها اللغة الآنية في التقصي والبلوغ وإعلان الفكرة من خلال لحظات كتابية ، تدعمنا وتدعم الشاعر بشكل عام .. (لدغة أنوثة مفرطة ) من خلال هذا العنوان الذي يبين لنا بأن لحظة كتابته يقودنا ليس فقط لخدمة القصيدة  والتعرف على محتوياتها ، بقدر ما ، لحظة تعبيرية موجزة ، تحمل احتجاجا واضحا مع دلالاتها المتحولة من خلال المعاني المتداخلة والتي تقودنا الى تقاربات رمزية ، فاللدغة ( لدغة عقرب موجعة ) وهنا لدغة أنوثة تبشرنا بحالة الوجع المفرح للأنوثة ، فتحولت الحالة من المأساة الى نشوة داخلية تدفعنا الى الأريحية ..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة