قبل الإقدام على تسطير أول كلمة في هذا المقال لا بد من التعريف، ولو بإيجاز، بصاحب الرواية الوارد عنوانها في العنوان أعلاه. باستشارة موسوعة ويكيبيديا نجد أنه ولد في 28 مارس 1960، وأنه روائي، و كاتب مسرحي، و مخرج فرنسي من أصول بلجيكية.. قدمت أعماله في المسارح العالمية، وحاز على شهرة كبيرة في الوطن العربي بفضل هذه الرواية التي مرجعنا اليها في هذه المحاولة.

لعل ما ضمن للكاتب شهرة في الآفاق العربية هو تناوله، من منظور انساني رحب، لقضية الصراع التاريخي بين اليهود والمسلمين حيث وظف مقدراته الخيالية لنسج علاقة مثالية، متينة بأواصرها الانسانية بين هذين المجتمعين المتحاربين من خلال قصة جرت أطوارها بين فتى يهودي (موسى) وبقال مسلم (ابراهيم). وبما ان الشخصيتين تعيشان في حي باريسي تخيم عليه أجواء سلمية، أمكن للكاتب أن يطور العلاقة بين الفتى اليهودي والبقال المسلم الى أقصى مدى ممكن. اذ نبضت في قلب كل منهما أرقى المشاعر (الأبوة والبنوة).

"النص يكتمل بالقراءة من خلال ثقوب البياض" إمبرتو إيكو
في المستهل :
تعتبر النصوص الموازية  بمثابة مداخل أولية تتيح لنا ولوج عالم النص الأدبي، فهي نوع من النظير النصي أو النصية المرادفة التي تعمل على ربط النص بكل ما يحيط به من كلمات تزين الغلاف أو نصوص الهوامش والتعليقات أو العناوين وغيرها .
فالمؤلف "بفتح اللام"  أيا كان لا يمكن أن يقدم عاريا من هذه النصوص التي تسيجه، لأن قيمته لا تتحدد بمتنه وداخله، بل أيضا بسياجاته وخارجه[1]، وينحو الدكتور محمد الماﮔري، النحو نفسه بقوله إنه لم يعد الكتاب المنشور الجاهز للقراءة، هو هذا الكلام المطبوع بين دفتي الكتاب أي الكلام المعروض بصريا للقراءة فقط، بل أصبحت العناية تشمل ... مظاهره كنتاج  بدءا من الحجم مرورا  بنوعية الورق والتقنيات الطباعية الموظفة في تنظيم الصفحة وانتهاء بالغلاف وتركيبه العلامي البصري "عناوين/صور/رسوم/ ألوان..."[2].

نشر نص "أربع ساعات في شاتيلا" لجون جونيه  لأول مرة في يناير 1983 بالعدد السادس من مجلة الدراسات الفلسطينية، وترجمه إلى العربية الدكتور محمد برادة لينشر في نفس السنة بالعدد السابع من مجلة "الكرمل"، ثم صدر في طبعته الفرنسية سنة 1991 عن منشورات غاليمار. وفي سنة 2015 صدر في كتاب واحد ضمن منشورات مكتبة الأعمدة بطنجة بلغته الأصلية، ومترجما إلى العربية من لدن برادة الذي أدخل بعض التنقيح على الترجمة الأولى، ومصحوبا بمقابلة حوارية أجراها الأستاذ جيروم هانكنس مع زوجة المترجم السياسية الفلسطينية ليلى شهيد، وهي المقابلة التي كانت قد نشرت لأول مرة سنة 1992 في كتاب جماعي بعنوان "جونيه في شاتيلا"، ضمن منشورات أكت سود بفرنسا. وقد اعتمدت في دراستي للنص على هذه الطبعة الأخيرة لسنة 2015.

دأبت مئات المواقع الإلكترونية على سرد قصة جفرا، بالحذف والإضافة حتى تحوَّلت هذه القصة الواقعية إلى أسطورة شائعة الصيت فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ذلك أن أبناء الشعب الفلسطيني يرددون (قصتين في قصة)، هما جفرا الشهيدة، وجفرا التراث بالخلط بينهما أحياناً، وبإعلاء إحداهما على الأخرى أحياناً أخرى: جفرا التراث هي الأقدم، لكن جفرا الشهيدة هي الأكثر قداسة وتأثيراً، لأن جفرا التراث يشوبها التكرار، فهي قصة حب من طرف واحد، كما أن جفرا التراث باللهجة الفلسطينية، بينما جفرا الشهيدة  كُتبت بالفصحى. وقد أصبح معروفاً أن جفرا التراث، بطلها هو (أحمد عبد العزيز علي الحسن)، وهو من قرية كويكات، قضاء عكا. أمّا (جفرا الشهيدة)، فعاشقها هو الشاعر الفلسطيني الحديث (عزالدين المناصرة) من محافظة الخليل. وإليكم التفاصيل:

يمثل القاص السوري محمد ياسين صبيح، بكتابته القصصية القصيرة جدا، التي دأب عليها منذ مستهل الألفية الثالثة أنموذجا متميزا، في مسار هذا الجنس الأدبي الحديث، فهو من موقع تجربته النقدية والإبداعية، عمل على تنشيطه وتليين قناة كتابته لمبدعيه ونقاده وقرائه، إذ خصه بصفحة إلكترونية عنونها برابطة القصة القصيرة جدا، وهي رابطة رقمية مشرعة بشتى كتاباتها على الأقطار العالمية، لذا لا غرو إن أمكنها أن تستقطب في ظرف وجيز من الزمن الآلاف ممن انضووا تحت لوائها، كما أمكنها أن تستكشف عددا كبيرا من المبدعين، وأن تحفزهم على إخراج تجاربهم من حيز الكمون إلى حيز التحقق الفعلي، خاصة بعدما جد القاص في ظروف حربية حرجة، وأقام ملتقيات للقصة القصيرة جدا في مختلف المحافظات السورية، وسعى بعدئذ إلى إصدار كتب تشمل أجود الكتابات التي احتضنتها الرابطة، وأشرفت على نشرها.

في طريق عودته من الحرب الشرسة على طروادة، كابد أوليس، بطل أوديسا هوميروس(1)، أهوالا جمة سلطتها عليه الآلهة انتقاما. ومن العوائق التي واجهها في المراحل الأخيرة من رحلة عودته أن غرقت سفينته الأخيرة، وغرق معها كل رفاقه، وقادته قوة إلهية  إلى جزيرة أوجيجي Ogygié  حيث تقيم الإلهة كاليبسو Calypso منعزلة عن أي كائن إلهي أو بشري . كانت كاليبسو آية في الجمال، وجزيرتها قطعة من الجنة. وقد تعلقت بأوليس ورغبت في بقائه معها زوجا. ولما رفض احتجزته سبع سنوات. كان يقضي الليل في فراشها دون رغبة، ويمضي نهاره جالسا على الشاطئ متطلعا إلى الأفق البعيد، حزينا باكيا، حالما بالعودة إلى جزيرته إيطاك، وإلى زوجته بينيلوب وابنه تيليماك. علمت أثينا بالأمر فتدخلت لدى والدها الإله الأكبر زوس كي يجبر كاليبسو على إخلاء سبيل أوليس. ( الأوديسا، ص 6) أرسل زوس الإله هرميس Hermès ليأمرها بأن تفك أسر سجينها. ويستغل هوميروس لحظة وصول هيرميس ليصف جمال الجزيرة التي تقيم بها كاليبسو، والتي لم يحل جمالها دون رحيل أوليس إلى وطنه. يقول هوميروس: " حين وصل هيرميس Hermès إلى هذه المنطقة النائية عن العالم، اقترب من الجزيرة، وخرج من البحر البنفسجي ماشيا، دخل إلى اليابسة وتوجه نحو المغارة التي اتخذت منها الغادة ذات الظفائر منزلا لها. وجدها هناك قرب مخدعها أمام نار مضيئة. كانت رائحة الأرز والصنوبر تنبعث من بعيد، وتعطر الجزيرة. كانت الغادة هناك تغني بصوت جميل، وتنسج على منسجها الذهبي. حول المغارة نبتت أشجار ضخمة في كامل عنفوانها: جار الماء وحور وسرو فواح حيث كمنت طيور كبيرة، بومات وصقور وغربان تنعق، طيور تعيش بالبحر وتقيم على اليابسة.

يعالج الروائي المغربي رشيد الهاشمي في روايته ذاكرة النرجس قضية الهوية الزنجية في واقع متشظ لا يرحم المستضعفين، ويرصد لنا مآسي السود في مجتمع مسكون بعنف يجسد بؤرة الغطرسة البيضاء والتعالي العرقي وإقصاء الآخر.
لن ننكر أن رواية ذاكرة النرجس هي تجربة صعبة، وعالم يحتاج إلى التحلي بالكثير من الشجاعة كي يلج إليه روائي في بدايات المشوار. لكن الكاتب تحلى بالجرأة وتوغل بخطى ثابتة في عالم السود المنزوي في العتمة في ثقافتنا العربية. عالم مجهول الملامح، ومحكوم عليه بالاقصاء وكتم الصوت مدى الحياة.
يصور الهاشمي في روايته الأولى، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع يناير 2018، كيف أن الحيف الممارس على الهوية السوداء يدفع بشخصياته التي تحمل أعباء الذاكرة وأوزار التاريخ فوق رؤوسها إلى مسالك وعرة ومضطربة، إلى دروب البؤس والهشاشة، إلى أنفاق ظلامية لا نور فيها.

أن يصدر المبدع عملا ما من الاعمال الأدبية يعتبر حدثا فنيا مستقلا، خرج من افق الافتراض إلى أرض الواقع/ وأصبح كائنا فنيا،يعلنه جنس المكتوب الذي ينتمي اليه هذا العمل،مؤشرا عليه بشتى وسائل التدليل مثل العتبات والمصاحبات والعلامات والايقونات،وبذلك يلج العمل سوق القراءة والتلقي ،عبر آفاق انتظار مختلفة ،تطابق افق الكتابة او تُدابره...
وما من عمل ادبي جديد إلا ويراهن على ان يقول كلمته داخل دائرة نفوذ جنسه الادبي ما استطاع إلى ذلك سبيلا.وكون هذا العمل مرتهنا بدائرة التجنيس،وأصول الانتماءالفني-الشعري مثلا-هو ميثاق مهم يفتح الكتابة على آفاق تمتاح من الإبداع وتنتصر له، يفترض أن تطول اللغة وتطبع زاوية النظر،بطوابع  تستمد خلقتها من سلالة المكتوب عامة  كما من ثقافة المبدع  وحساسيته الفنية،بشكل  ما من الاشكال ،يفترض فيه هو كذلك ان ينعكس على الكتابة قلبا وقالبا ويلابسها حضورا وغيابا، والتي بانتفائها/انتفاء حضور الخلقة المركبة، تنتفي كل العلائق المفترضة جدلا بين الفن والواقع ،كما بين المبدع وعملية الإبداع من أصلها حالا بحالِ وهذا ما لا يمكن القبول به كمبدإ، وإلا أصبحت الكتابة محكومة بالآلية أو الانعكاس المقيت.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة