حنا مينة

 (إلى ح. ب) 
نعم.. توفي اليوم، قرأت للتو وصية منسوبة إليه... نفس العنوان يحضرني "نهاية رجل شجاع" الرواية والفيلم، و"الشراع والعاصفة"؛
خسارة أخرى (على بعد أيام من رحيل "سمير أمين"..)، تكاد منابع تشكيل الوعي أن تصاب بالجفاف لفائدة هذا التردي الذي يطفو مزهوا بالخواء.. !كان هذا مضمون مكالمة تلقيتها هذا الصباح بعد انتشار نبأ وفاة حنا مينه، الذي قال في سياق آخر أن "هناك أشياء لا تسر (..) لكن هذا سيزول وستعود الأمور طيبة مثل الأول".

***

توفي حنا مينه.. انتشر الخبر مثل النار في الهشيم، ضد إرادته و"وصيته" التي جاء فيها:

دروس الحياة
التجربة الحياتية بما فيها من معاناة ، وآلام ، وأفراح هي ينبوع الكتابة الحق، ولا تقل أهمية عن الموهبة الفطرية ، والقدرة على التخيّل.
ليس بوسع اي كاتب ان يكتب عن اي شيء ، وعن اي انسان . فهو ليس مطلق الحرية في اختيار موضوعاته وابطاله , مهما كان موهوبا ، لأن له حدودا لا يستطيع تجاوزها , والتي تتحدد بالمجتمع الذي يعيش فيه ، وخبرته الذاتية ، والدروس التي تعلمها من الحياة ، لذا على الكاتب أن يكتب عما يعرفه بتجربته الخاصة ، وهذه التجربة مطلوبة بقدر ما تكون مدخلاً لتجربة فنية ، يعبّر فيها الكاتب باسلوبه المتميز ، عن عالمه الروحي ، ونظرته الى الأشياء.
ان العمل الأدبي اذا لم يكن نابعاً من ذات الكاتب ، و لم ينفعل به فانه لن يكون عملاً مؤثراً وناجحاً على الرغم من ان المؤلف  قد كتبه بحسن نية . لان مثل هذا المؤلف لا يعرف ابطاله ولا يفهمهم .

تتشكل معالم رواية الكاتب المغربي عبد النبي بزاز في قالب واقعي اجتماعي، يعكس تفاصيل وطن مثخن بالجراح، الوطن الذي يرزح تحت نير البيروقراطية والمحسوبية، يطل علينا بطل الرواية "المختار"، في سياق سوسيوسياسي مضطرب، أدى إلى تجاذب مستمر بين إليأس والأمل، والخير والشر، والفقر والغنى، ثنائيات ترسي أسس الكتابة البزازية.

يعتبر العنوان من أهم العتبات الأساسية التي تواجه القارئ قبل ولوج عالم المؤَلَّف، والعنوان قد يشير إلى الجنس الأدبي الذي يمثله النص، وقد يشير مباشرة إلى موضوع النص، وبذلك يندرج ضمن ما يسميه الدكتور عمر حلي بالعناوين الموضوعاتية، فالعنوان هو تلك الحلقة التواصلية التي تربط  بين المؤلّف والقارئ، وبواسطته يتشكل لدى القارئ  سلسلة من المعطيات الأولية والتصورات القبلية لتأويل النص، وقد جاء عنوان الرواية "هل سأعود يوما؟" جملة استفهامية، تدل على نوع من الرحيل، قد يكون ماديا، وأقصد السفر والتنقل من مكان إلى اخر، أو معنويا، ذاتيا ورمزيا بالانقطاع عن الواقع، والسؤال هنا جاء طلبا لحصول معرفة مرتبطة بالمستقبل. كما أن العودة أيضا مقترنة بالنجاح، بمعنى إذا حققت ما أصبو إليه هناك، فسأعود إلى هنا، أي الوطن، مهما كان قاسيا، الانتماء يمد الجسور بين اسمي الإشارة، مهما كان حجم النهر أو الهوة بينهما....

"كتاب اللاطمأنينة" نص نثري شذري يخلد يوميات عاشها الشاعر والكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا المتوفى سنة 1935، قام بترجمة هذا الكتاب – مشكورا – الشاعر المغربي الشمالي المهدي أخريف وصدر ضمن منشورات وزارة الثقافة والاتصال في خريف 2001، لعل أول ما يقفز إلى ذهن القارئ ويلفت انتباهه هو أن ثمة تناقضا يسكن العنوان المقترح لهذه الورقة. إنها بالفعل مفارقة جلية بيم مملكة حلمية يفترض فيها الهدوء والسكينة والاطمئنان، وإلا لما كانت كذلك، وبين كتاب يسهب في تعليل دواعي اللاطمأنينة وبواعثها. لكن سرعان ما يتلاشى التناقض وتتبدد المفارقة إذا علم القارئ في حدود هذا الأثر الأدبي على الأقل، أن الكاتب يلوذ بمملكة الحلم هروبا من واقع مقرف ومحفوف بآفات القلق والضجر والقنوط والانكسار.
لكن غير كاف البتة الإشارة إلى المفارقة الكامنة في عنوان هذه الورقة دون الحديث، ولو باقتضاب، عن المنهج الذي يهيكلها. هكذا يمكن القيام بخطوتين اثنتين : في الخطوة الأولى، يحدد موقف بيسوا من فعل الكتابة ويعلل اختياره للنثر كشكل تعبيري صاغ به وعلى ضوئه يومياته، وفي الخطوة الثانية قراءة للمتن البيسووي الذي يتمحور حول تيمة الحلم، على أن تلي هاتين الخطوتين وقفة تنطوي على خلاصة حول ارتباط الحلم بالكتابة أو الكتابة بالحلم.

1- لعنة الكتابة...

تعني الكتابة عند بيسوا احتقار الذات، ومع ذلك فهو لايستطيع التخلي عنها. إنها مثل مخذر يثير اشمئزازه ومع ذلك يتناوله، مثل بلية يحتقرها ويحيى بها. وفي نفس الموضع، أي الصفحة 191، يعلن الكاتب أن الكتابة تعني فقدان الذات. وبما أن كل شيء فقدان أكيد، فهو يفقد ذاته بدون فرح، " لاكما يفقد النهرمجراه في المصب وهو ما من أجله وجد النهر، وإنما مثل البحيرة التي يخلفها المد البحري في الشاطئ بدون أن يعود ماؤها إلى البحر." وفي موضع آخر، أي الصفحة 198، يصادف القارئ موقفا عجيبا غريبا من الكتابة حيث يقول إنها أصبحت عديمة المتعة بالنسبة إليه وصار عنده فعل منح التعبير للانفعالات وتجويد العبارات أمرا مبتذلا يمارسه بدون حماس ولا تألق.

[ الوعي بالزمن مؤامرة على الزمن]
سيوران

 خوان غويتيصولو  Juan Goytisolo [i] واحد من الكتاب و المثقفين الذين حرصوا في أعمالهم الأدبية على تقويض أسس ثقافة الحقد و الكراهية، و دافعوا عن فكرة تدجين الإبداع و النصوص غير النقية التي يخصّبها باستمرار التراث الإنساني، باعتبار أن النص يرتبط بالمكتبة الكونية و أن عمل المبدع يمثل مجموع تجاربه الشخصية، و الكاتب الكبير هو من يقيم خصوصيته على التناقح و التبادل المستمر. و واحد ممن انتقدوا النقاد الإسبان و حمّلوهم مسؤولية تهميش العديد من نصوص الأدب  المورسكي الشّاهد على التلاقح اللاتيني – العربي أو دراسته دراسة جزئية أو ناقصة.

 ترجم له كاظم جهاد مجموعة من الدراسات الفكرية التي تسعى إلى تفكيك رؤية ثقافته الغربية لثقافة الآخر الشرقية،  و عنونها بــــ "في الاستشراق الإسباني"[ii].

تطورات الثقافة الاسبانية المدجّنة، واحدة من هذه الدراسات التي ترصد رؤية الإسباني لثقافة المسلم المغربي من خلال قراءة ثلاثة أعمال أدبية لثلاثة تجارب إبداعية مختلفة، تشهد على تطور الإبداع الأدبي و الفني الإسباني المدجّن- العامل بمعايير الجمالية العربية الإسلامية و المتشبع بحساسيتها، و هي كتاب الحب الطيب(Libro de Buen amor) لــ خوان رويث (Juan Ruiz[iii])، و حكاية دون كيخوتة المانشي  لــــــ ثربانتيس(Miguel de [iv]Cervantes)، و آيتا تيتاوين (Aita Tittauen) لـــــ بنيتو بيريث غالدوس ([v]Benito Pérez Galdós).

عباس محمود العقاد  1964) ـ (1889  فالقُ العبقريات . أسطورة النقد والتنظير في تاريخ الأدب العربي الحديث . حيث رَصْرص ، طيلة أربعة عقود ، مختلف المشارب المعرفية ؛ بين الشعر  والنثر والتاريخ و علم الجمال  والموضة و البيولوجيا و علم القواميس . دمغ مسيرته العلمية العصامية بالعقلانية و التبصر و البحث المستفيض .. فضلا عن مواقفه السِّجالية حول قضايا تتعلق بالفن و الإبداع.
   لما ألجمت المدافعُ أصواتـَها ، وخَبَتْ نيران الحرب العالمية الثانية ، أصدر العقاد كـُتيبا صغيرا يحمل العنوان التالي : " في بيتي " . بما هو حوار متخيل بين العقاد وصاحبه حول أفضلية الأجناس الأدبية في التعبير عن الشعور و الأحاسيس الإنسانية ، خصوصا الشعر  والقصة .  بالموازاة فللعقاد مواقفُ واضحة ٌ وصريحة ٌتجاه الشعر ، حيث يقر أن الشعر هو الأصل ؛ وما دون الأجناس الأدبية الأخرى فروع . وهذه المواقف ضمَّنها في العديد من مؤلفاته النقدية ؛ بدْءا بكتابه المشترك مع المازني " الديوان " و مرورا بكتابيه عن ابن الرومي و أبي نواس و انتهاءا ب " شعراءُ مصر و بيئاتهم في الجيل الماضي " . إن هذه الأفضلية ، التي حُضي بها الشعر عند العقاد ، لها مبررات و مُسوغات عدة من أهمها :

الكتابة عن الهامش في الرواية  هي تحويل الهامش إلى مادة أدبية أو جعله  مرجعا للتخييل الروائي ، وهي ممارسة  تسعى لتجاوز بورجوازية الرواية بعدما  درج مؤرخو الأدب على الاهتمام بالأدب الرسمي أو الراقي أو الرفيع وبالتالي بالأدباء الكبار والأعلام المشاهير والعباقرة... وغضوا الطرف عن كل ما يسمى أدبا ثانويا أو هامشيا أو شعبيا أو هجينا... بدعوى أن هذه الأشكال لا ترقى من حيث المكانة ولا من حيث اللغة إلى الآداب الأولى فهي "مجرد آداب تتسبب في إفساد الذوق في إشارة إلى مضامينها غير الأخلاقية أو موضوعاتها المغرقة في الخصوصية والمحلية..." انظر الفن التاسع لسعيد علوش .
وقد تناولت العديد من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية هذا المفهوم ومشتقاته { فقر ـ تمييز  ـ اقصاء ....}بالدرس والتحليل ، لينتقل إلى الدراسات الأدبية ، ومن خلال استقراء هذه الدراسات ،نقف على أن الهامش يدرس في مقابل المركز ، مع ما يسم هذا الهامش من دونية واقصاء وتمييز .
و حينما نعود للمعجم نجد أن التهميش مرتبط بهذه المعاني فالهامش هو حاشية الكتاب والجزء الخالي من الكتابة ، وعلى هامش الأمر أي خارجا عنه وبمعزل منه ، وفلان يعيش على الهامش : أي يعيش منفردا غير مندمج في المجتمع ، مهمل ، منعزل ، كما أن الجذر اللغوي "همش" يحمل دلالات إضافية ، فهمش الرجل : أكثر من الكلام في غير صواب ، وهمش الجراد : تحرك ليثور ، وهمشه الكلب : عضه  ، فالدلالات المعجمية وإن كانت متعددة ولكنها تعضد بعضها البعض فالهامش هو الحاشية والنبذ والعزلة والاقصاء مع يستتبعه من تمرد وثورة على النظم الاجتماعية المتعارف عليها .

يمثل الشاعران الكبيران أبو القاسم الشابي وبدر شاكر السياب علامتين فارقتين في أدبنا الحديث، فقد حققا من النجاح وأحرزا من التفوق مالم يحرزه شاعر آخر على الرغم من حياتهما القصيرة فقد ولد الشابي بقرية الشابية ناحية توزر عام 1906 وتوفي عام 1934، بينما ولد بدر شاكر السياب في جيكور قرب البصرة عام 1926 وتوفي بالكويت عام1964 .
وكأن الرسالة التي بدأها الشابي منضويا تحت جناح جماعة ” أبولو ” التي أسسها الدكتور أحمد زكي أبو شادي، كانت تلك الرسالة تحمل هم التجديد وقلق الإحياء وهاجس البعث لأدبنا العربي بعد أن نام أحقابا طويلة في مغارات التاريخ مغمضا جفنيه عن مباهج الحياة، مخلصا ضميره من هم النهضة والتقدم مكتفيا بالإجترار والتقليد والرياء والتصنع وفي تصيد الولائم والمناسبات ومباركة السلاطين والأمراء.
كان شعر الشابي الذي يوحي عنوان ديوانه بالحركة والنماء والخصوبة” أغاني الحياة ” كما يوحي بالبهجة والفرح والتبشير بقيام طائر العنقاء من رماده صحيحا معافى.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة