كان الأدب في روسيا يحظى دائما ، بشعبية كبيرة ومكانة سامية في نفوس وقلوب القراء ، خصوصاً المثقفين منهم. وكان ينظر الى الكاتب كنبي، او معلم للشعب قادر على التأثير في النظام القائم وتغيير المجتمع . وكان دور الكاتب في روسيا عظيما الى درجة انه كان من غير اللائق أن يتفاخر أحدهم بنفسه أمام الآخرين ويقول: " أنا كاتب "، وكأنه يقول " أنا عبقري " أو" أنا انسان عظيم " .
أصبح الادب الروسي منذ عصره الذهبي ، في القرن التاسع عشر، شبيهاً بالدين ، يحمل عبئًا أخلاقيًا هائلًا ، ومثل الفلسفة ، أخذ على عاتقه التفسير الفكري للعالم المحيط ، وتحول الأدب من ظاهرة فنية- جمالية الى كتاب الحياة.

إن من يواكب عن كثب، ما دأبت عليه القصة القصيرة جدا من كتابات، يعاين تحولا نوعيا  في صيرورة القص العربي، ذلك أنها سنت شرعة متخيل، يستجيب لروح العصر ذي الوتيرة السريعة، ويطاوع المراد للذات القاصة والناقدة والقارئة، بما فيه من الاقتصاد اللفظي، والإيجاز التعبيري، والتكثيف الدلالي، والإيحاء البلاغي، والاحتمال التأويلي، وبالتالي بما فيه من الاستثمار الأمثل للزمن.
فهي كتابة تعتمد في ملفوظها وتلفظها، استراتيجية محكمة، تتمثل في تدبير حد أدنى من الألفاظ النسقية، في تسريد البنى السردية،  وتشغيل الدلالة، وتفضية بياضاتها، وتحبيكها وفق صياغة قصصية تؤسلب الواقع، وتفضي إلى الإدهاش من اللامتوقع فيه، ومفارقة المعنى إلى نقيضه، والنهاية المفاجئة لأفق التوقعات.

لانريد أن نخوض في المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق المثقف في بلده فهي مسؤولية مجمع الإتفاق بشأنها خاصة إذا كانت الشعوب متخلفة وفي مرحلة المنعطفات الكبرى، ذلك ماأسماه فيلسوف الوجودية الكبير جون بول سارتر بالإلتزام أي التزام المثقف بقضايا شعبه وبالدفاع عن حريته وكرامته ولو اقتضى الأمر معارضة النظام السياسي القائم، وذلك ماحدث له بالضبط حين تظاهر مع المعارضين في حرب فرنسا في الجزائر وأصدر من أجل ذلك كتابا بعنوان" عارنا في الجزائر" ، والتزام المثقف بقضايا أمته ونزاهة فعله وصدق قوله ليست بالقضايا المستحدثة في تاريخ الأمة العربية، فأبو حيان التوحيدي وهو من كبار الأدباء ومن مؤسسي النزعة الإنسانية في الفكر العربي أخذ على الوزيرين "الصاحب بن عباد" و"ابن العميد" مآخذ سجلها في كتابه "مثالب الوزيرين" فقد أخذ عليهما العيش الرغيد في قصور مترفة وقصر الثقافة على جمع لفيف من الفلاسفة والمناطقة وعلماء البيان والكلام والشعراء والنثار والتطرق في كل ليلة إلى موضوع من موضوعات الفلسفة أو الأدب أو الدين، في حين تعيش الرعية في الخارج في ظلام وتخبط في تيه عماء. وهو موقف للتوحيدي يجعله في قمة رواد المذهب الإنساني الذي عرف به كبار مفكري أروبا.

إسحاق بابل ( 1894 – 1940 ) واحد من أنبغ الكتاب الروس في النصف الأول من القرن العشرين ، لمع نجمه في سماء الأدب الروسي في العشرينات والثلاثينات بعد الأحداث العاصفة التي مرت بها البلاد ( الثورة ، والحرب الأهلية ) . أثارت أعماله الإبداعية أهتماماً واسعاً، في روسيا وخارجها، حيث صدرت (35 ) طبعة من كتبه بين عامي (1926-1921) واهتم أشهر النقاد الروس بنتاجاته ، حيث بلغ حجم ما كتب عن نتاجاته خلال الفترة ذاتها أضعاف حجم ما صدر من مؤلفاته . وحظى خلال حياته ،ولا يزال يحظى – رغم مرور(78)سنةعلى رحيله المأساوي ، بشهرة عالمية واسعة كأحد أساتذة فن القصة القصيرة .وهو يشكل مدرسة جديدة في فن القصة ، مختلفة عن مدارس اسلافه العظام : موباسان وتشيخوف وبونين ، و يجسّد عبقرية الإيجاز والدقة والتجديد

يقتحم الشاعر تراسلات الحواس ، وهذا مانبحث عنه في التصوير الشعري الخارجي والتصوير الداخلي ، ومن خلال مجموعة الشاعر العراقي محمد كاظم الشعرية ( بريق أسود ) ، ندخل الى عتبات النص .. النص بين النص والنصية من خلال النظرية التداولية لمعرفة المفاهيم والدلالات واستبدالاتها ، خارج المؤثرات والتغييرات التي طرأت على الشعر العربي الحديث ( وهنا أقصد التأثر الكمي بالقصيدة الرمزية التي ظهرت في فرنسا ) فنحن مع المؤثرات النوعية ضمن بيئة الشاعر العراقية ، ولا يهمنا وذهاب الشاعر الى الرمزية ، بل بالعكس ، فهي حالة صحية والوجوب الوقوف مع هذه المدرسة ، بالاضافة الى عنصر الخيال ، والذي يغذي الينا الصورة الشعرية ، فمهما اختلفنا ومهما كانت وسائل التعبير في النمو القصائدي ؛ فالصورة ترفع من مستوى المعاني وتعدد الدلالات ، وبعضها تتجاوب مع الشاعر من الحالة المعروفة الى الحالة الخيالية ، وبعض الصور تأسيس ذهني لاتخرج الا عند التفاعلات والانفعالات التي تطرأ على الشاعر ، بشكلها السريع وشكلها البطئ .. وعلى ضوء ذلك فالصورة المساس الرئيسي لكهربة القصيدة والكشف عن الحالات النفسية والحالات التي تقف عندها المعاني .. في الوقت الذي تعجز مفردات اللغة عن التعبير عن ذلك ، وخصوصا منتجع الحقول الدلالية ...

يقول الأشعري في الغلاف الخلفي لديوانه: "سيرة المطر"
" سيج الحلم في قفص من الكلام
ما العمل؟
لو يعود الفتى للزمان المشقق
مازال في الوقت متسع لاختمار الرماد" (1)
استوقفني في هذا التعبير أمران إثنان:
الأول: اعتراف الشاعر بأن حلمه أصبح سجين شعره دون أن يدري ما السبيل إلى تحرره من هذا العقال.
الثاني: ارتباط صوته الشعري بنثر الرماد الذي يصر صاحبه على مزيد من الوقت لاختماره.

شاعر نحت معجمه الشعري من عصارة ذات محترقة، وجسم نحيل داهمه مرض عضال لم ينفع معه علاج، فما زاده إلا إمعانا في تنديده بغرور السلطة، ونقده للأوضاع التي أدت إلى استشراء الخنوع والمذلة في أوصال هذا العالم العربي الذي انصاع لواقع الخزي والعار. شاعر ذو حساسية مفرطة، شديد الملاحظة، لاذع اللهجة، صريح العبارة، لا يتورع في الغوص إلى القعر ليسبر حال هذه الأمة التي لم تعد تبدو في أفقها المنظور أية بارقة أمل.
إنه شاعر الصدق الذي سدت في وجهه أبواب الأمل وهو الموسوم ب: "أمل" لقبه الذي لم يغنم منه إلا باليأس القاتل، فانبرى ينحت من أعصابه عكازة يسند عليها ما تبقى من هيكله المنخور ليعيد القراءة من جديد، فإذا به يكتشف "موت القمر" لتتردد على مسامعه "بكائيات زرقاء اليمامة"،وهو ما دفعه إلى أن يمتهن "تعليقاته على ما حدث" ويتطلع إلى "عهد آت" لكنه لا يسمع فيه إلا "أقوالا جديدة عن حرب البسوس" لينتهي به المطاف إلى قفص الغرفة الاستشفائية التي استودعها "أوراقه الأخيرة" التي حاور فيها الموت – صديقه الحميم – الذي استسلم له عن طواعية واختيار بعد أن فقد كل أمل.

ظل الحديث عن معالم التمسرح والفرجوية داخل النسق الثقافي الأمازيغي بالأطلس المتوسط محتشما، أو شبه غائب، في مقابل (الاهتمام)  التي حظي به الشعر الامازيغي  وفروعه المتمايزة، فلا نكاد نجد من الأوراق العلمية من يسائل هذا المعطى الحاضرـ الغائب، علما أن استكشافا لهذا البعد  التفكيهي يعد فتحا مبينا ورافدا مهما يؤكد الغنى الفني الذي يحبل به الأدب  الأمازيغي بحاضرة فزاز، وهو المحكوم بقدر الشفهية الذي يجعله على حافة النسيان والتلاشي ما لم تستنطق معالمه وتقيد مفاتنه بقيد التدوين صيانة وتوثيقا.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة