قراءة في العنوان
انتبهت الدراسات الإنشائية إلى العنوان الذي لم يحظ باهتمام الدارسين إلا حديثا مع تطور الدراسات اللسانية والسيميائية والتفطن إلى الوظيفة الأساسية والحاسمة له . فلم تكن للعنونة الأهمية التي تحظى بها اليوم  . وكان من العناصر المهملة والغائبة .فغابت ظاهرة العنونة في القصائد الجاهلية بل كانت تتلقفها الألسن والأسماع عن طريق الرواية الشفوية .  ومع ظهور الكتابة أصبح للعنوان قيمة أساسية وأصبح علما مستقلا بنفسه له مختصُوه ومجالاته . فنشأ علم العنونة ) (Titrologie) وأصبح اختصاص يوسم به صاحبه أسوة باختصاصات الطب والهندسة (ـ " (Titrlogue  ليتجاوز العنوان مجرد التعيين والتسمية   "  فالعنوان يعتبر معيارا بصريا إجرائيا في تحديد المقاطعِ النصية والفقرات الخطابية ، ويعتبر أيضا آلية دلالية مهمة في تقطيع النصوص ، لأنّ العنوان هو مفتاح القراءة ،وأسُّ بناء المعنى والدّلالة ، وضمن هذا السياق. يمكن الحديث عن العنوان الأساسي والعنوان الفرعي والعنوان المقطعي. ويعد العنوان في الحقيقة مؤشّرا دلاليا مهما،ومكوّنا بنيويا وظيفيا، وعنصرا سيميائيا بارزا في عملية تقسيم النص إلى مقاطع دلالية و تيماتيكية " [1].رغم أن السارد في نص المتن لم يقسم أثره إلى عناوين فرعية أو أرقام و إنما بدا  السرد منسابا ومسترسلا لا يوقف هديره واندفاعاتِه غير لحظة توقُف القراءة .فلا أقسام ولا فصول ولا ترقيم.

 

عندما تكون الـ ( أنا ) الواعية مسخّرة لـ ( أنا ) الثاقبة في معدلات الأيام، فتستجيب الذات لها، لأنها الـ ( أنا ) السلمانية الفريدة وعبر نصّها الذي يقودنا إلى أبعاد مزدحمة بآلام جماعية، وهي آلام بغداد – العراق.. ومن هنا اتقنت الذات وتشبّعت بآلام أهل البلاد فطافت تلك الآلام وخرجت من صندوقها المقفل، لتعلن اصطفافها إلى جانب الترويض النفسي.. ياترى هل هي العين المحدّقة، أم الدبابيس الموجعة والتي تهاجم الفرد العراقي كغزوة جماعية تطالب بأوجاعها المثيرة ؟؟
في انتظار باص خارج الخدمة : هكذا رسم العنونة الشاعر العراقي المبدع سلمان داود محمد، وهو يقودنا برحلة من الأوجاع اليومية مع هذا الباص المعزول عن خدمته .. وعندما نتلو إفادتنا عن باص كحالة محدّقة بشكلها اليومي، فهذا يعني أننا أمام ظهور واختفاء، فالظهور من الفعل الانتقالي ( ظهر) وهو الفعل الملائم تماما مع ظهور الباص والإيمان المطلق بتواجده بشكل يومي، وكأننا أمام باص مدجج بزحمة الناس حتى يفيض لنا بتلك الآلام التي زرعها الشاعر العراقي سلمان داود محمد، ولو تخطينا عبر حالته ومع سيميوطيقيا العنونة، فسوف نلاحظ بأن العنونة المرسومة تدلّ على حالة لها علاقة بجسد النصّ الشعري؛ وهذا يترتب أمامنا الإشارة والدلالة، فالقصدية والترتيب، دلالتان مكتومتان في العنونة، مما تقودنا إلى : متلق، وعنونة وعمل، فعلاقة المتلقي هنا المرسَل إليه، بينما علاقة العمل والعنونة، علاقة المرسِل، فيظهر أمامنا المرسِل والمرسَل إليه من خلال العمل ( الرسالة ).. من الطبيعي دلالة أية مرسلة تبررها العلامة، والعلامة التي تحملها العنونة علامة تامة، وذلك لاستقلال العنونة من جهة، ودلالتها المكتومة من جهة أخرى، وهنا يمنحنا الشاعر الفرصة والمساحة الواسعة للدخول إلى نصّه المرسوم.. فتضيف لنا القيمة السيميوطيقية للعمل للعلامة كوسيط، وهذه القيمة المضافة هي " المدلول " مدلول العنوان طبعا، فبقي البحث عن الدال لكي تجتمع الدلالة معهما؛ وهذا يعني أن الوسيط نمنحه الدال، فيصبح لنا دال الوسيط ودال العمل، مع مدلول العنونة.. فالعنوان الذي دخلنا به يحمل :

يعتبر أدب “الهايكو” نوعاً من أنواع الشعر الياباني. وهو عبارة عن بيت شعر واحد، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتياً باليابانية، ويكتب عادة في ثلاثة أسطر وأحياناً يتجاوز ذلك إلى خمسة أسطر , يحاول الشاعر “الهايكست” من خلال مفردات قليلة؛ التعبير عن مشاعر جياشة وأحاسيس عميقة تحقق عنصر المفاجأة للمتلقي. ازدهر هذا الأدب في القرن 17 بفضل الشاعر المعلّم “ماتسو باتشو” وتلاه “يوسا بوسون” ثم “كوباياشي إيسا” وكثر غيرهما (نتوقف لاحقاً مع نماذج الهايكو لديهم). بينما في القرنين التاسع عشر والعشرين بدأ “الهايكو” يتجاوز حدود اليابان ليصل إلى أميركا ودول الغرب. فترجموه ومن ثم تمّت محاكاته وكتابته وتطويره للاستغناء عن عدد المقاطع الصوتية اليابانية التي قد لا تتجانس مع باقي اللغات والصوتيات في العالم. ثم بعد العديد من الترجمات لهذا الأدب الياباني، سواء إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو اللاتينية. وصل “الهايكو” في منتصف القرن العشرين إلى البلاد العربية عن طريق ترجمة نصوص منه إلى اللغة العربية.

بعد أن نحت اسمه ضمن لفيف القصاصين المغاربة والعرب المبدعين والمجددين اجترح إدريس الصغير مجالا سرديا هو الرواية بغية تطوير مشروع نمط إبداعي دشنه بكتابة القصة القصيرة التي حجز لنفسه فيها مكانة مميزة بشهادة قاص وروائي من حجم محمد زفزاف خلال تقديمه لرواية "الزمن المقيت": "أحد أبرز القصة القصيرة في المغرب." ص:8. وتعتبر باكورة الكاتب الروائية والتي متح فيها من وقائع حياة مزرية لفئة المهمشين الذين يعانون من ضنك العيش، ومرارة يومي تعتوره الفاقة، ويستشري فيه العوز.      

يرتسم القاص المغربي حسن برطال، لكتابته القصصية القصيرة جدا طقسية نمذجية، محكمة التحبيك مبنى ومعنى، فهو في استرسالها يُمعن في تمثل توسيماتها الجنسية البلاغية والدلالية والتركيبية، وصياغة لكينونتها السردية من البنى الحكائية، ما يوائم متصوراتها المجردة.
فهو كلما اختط كتابة قصصية، تجده  يحرص على أن يقتفي في سياقها، هذا النسق النمذجي المغلق، مما يجعله في مختلف مجاميعه القصصية، يركن إلى كتابة لازمة لا تتعدى حدودها، حتى تظل محايثة لمدار فلكها الجنسي الآسر، حيث يُقصّر حجمها، ويُقتصد في ألفاظها التصريحية، ويُسرّع إيقاعها السردي، وتُقلص بناها الحكائية، وتُحبك على قلتها وفق حبكة موجزة، تفضي إلى مفارقة تشف عن معنى مفارق مباشر، يحتل لدى القاص دون سواه كل آليات تفكيره القصصي، ذلك أنه عمدة هذا القص النثري حسب ما أكده في ملتقيات عدة.

ـ 1 ـ
 للكتابة النسائية طابعٌ متميز . فبالرغم من التحايل على الذات و الموضوع ، يظل أدبُ المرأة ذا خصوصية ، تجعله متفردا في رؤيته للعالم . و به فهو يطل ـ أي الأدبُ ـ على عوالمِ المرأة الحميمية في مواجهتها الدأوب ، لمتطلبات الحياة الاجتماعية ؛ المادية  والمعنوية . فالنظرة ذات البعد الفيزيولوجي ، عند المرأة ، غالبا ما تـُبوصل ، و تـُبئـِّر النشاط الإبداعي من خلال سبر أغوار التجربة في الحياة . وفي هذا المضمار ، كانت لجسد المرأة حظوةُ أسْنى في مساحة الإبداع ، وذلك عبر التفافها على إيقاعاتها الأنثوية . إلا أن ما يطرأ على تضاريس الجسد من تبدلات و تغيرات فيزيولوجية و نتوءات حالمة ، كانت  ولازالت مادة دسمة في أدبها ؛ للإثارة ولفت انتباه القارئ إلى عالمها القرمزي الفاتن ، وما تشيده من عوالمَ ساحرة ٍ.   

ولدتُ بين بحرين: أحدهما (ميت)، والآخر (أبيض متوسط). ولم يظهر اسم (الأبيض المتوسّط)، إلا بعد أن استخدمه (سولينوس) في النصف  الثاني من القرن الثالث الميلادي، وهكذا كنتُ من جبل في بلدة (حلحول) الخليلية، الواقعة في مدخل مدينة الخليل، أشاهد البحر الأبيض المتوسط، الذي يبعد حسب خطّ هوائي عن البحر، حوالي ستين كيلومتراً. هذا الجبل في حلحول، هو أعلى نقطة في فلسطين كلها، إذْ يرتفع عن سطح البحر، حوالي (997 متراً)، لكنني لم أكن أستطيع أن ألمس ماء البحرين، بل كان وما زال ممنوعاً علينا فعل ذلك، لأنّ (الدولة–الخازوق)، تقف عائقاً دون ذلك، أي لم يكن يحقّ لي سوى النظر من بعيد. وهكذا بدأتْ علاقتي بالبحر الأبيض المتوسط، بعد أن غادرتُ فلسطين عام 1964، إلى المنافي الإجبارية، بعد أن أصبحتُ ممنوعاً من دخول فلسطين منذ كارثة عام 1967، التي سمّاها محمد حسنين هيكل: (نكسة)، من باب التخفيف على الرأي العام، رغم أنها كانت (نكبة ثانية)، بامتياز، حيث استكملت (الدولة – الخازوق)، احتلال ما تبقى من فلسطين: (الضفة الغربية)، التي كانت تحت الحكم الأردني، و (قطاع غزّة)، الذي كان تحت الحكم المصري، بعد أن تمَّ تهجير مليون فلسطيني عام 1948 من منطقة (48). وهكذا أصبحتُ (لاجئاً فعلياً) في المنافي، دون أن يعترف أحدٌ بأنني (لاجئ)!!، بل لم أعترف في داخلي أنني لاجئ، لأنني كنتُ دائماً على قائمة الانتظار الطويل الطويل الطويل: كلُّ شيء مؤقت.

إن الحديث عن إرهاصات الفن الغنائي المغربي في علاقته بالمراحل التي مر منها قد يطرح أكثر من سؤال؛ ذلك أن تجذر المجتمع المغربي من خلال المراحل التاريخية التي شكلته لم يجسد تعبيراته الغنائية بالطريقة التي يستحقها وذلك نظرا لعدة عوامل قد يطول الحديث عنها ؛ منها ما هو مرتبط :
-    بظروف القهر وانحسار مساحات التعبير.
         أو -  بظروف التعبيرات الشفوية والفولكلورية التي تلاشت بفعل الإهمال.
         أو -  بقلة الإمكانيات التقنية المتاحة في مجتمع أمي، قبلي، بعيد عن المركز.
         أو- بعوامل ثقافية واجتماعية كانت غير قادرة على مواجهة تحديات الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.......إلخ.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة