عرف المسرح المغربي طفرة كبيرة من حيث الموضوع والتيمات التي تناولها غير أن المسرح الفردي عرف اسما بارزا احترف الركح فأعطى فيه الكثير فكان لزاما علينا أن نتناول الحديث عن تلكم التجربة البارزة التي وشمها عبد الحق الزروالي في مساره كسيناريست مسرحي معروف ولعل حديثنا عن البعد الصوفي هو حديث عن المقدس الديني الذي بات يشغل حيزا مهما من مسارات المسرح المغربي نصا وعرضا وفرجة في خضم البحث عن الذات الثقافية المغربية وربط النص ببيئته هي رحلة رائعة بصم عليها النص الذي نتناوله بالمقال دراسة سطحية غير معمقة ، فهي رحلة بعد " رحلة العطش " النص المسرحي الجميل الذي بصم عليه عبد الحق الزروالي بحثا عن الذات وعلاقتها بعطش معنوي تبحث فيه عن الارتواء والانتشاء غير أن السفر هذه المرة اتخذ بحثا عن المألوف والممكن ، وعن بعد صوفي يجمع بين التجلي والاختفاء ، تجلي الروح واختفاؤها وبحثها عن الله في سفر وشم الذات المسرحية في الذات الواقعية الشيء الذي لا يمت للواقع إلا ببحث صوفي عن الحقيقة والتماهي بالطبيعة في نص بديع ، تجلى فيه الاحتفال صوفي رحلة عطش أخرى في مسرحية "كدت أراه " لعبد الحق الزروالي .

ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا، ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة. هو رؤية عميقة أداتها اللغة، وحصانها الخيال، تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل، وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة. والشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى. يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه.
تؤرق الكتابة الشاعر العربي الحميدي، والشعر بالنسبة له فعل حياة، وإبداعه الشعري يلتقط نبض الحياة، ويحاول الإمساك بلحظات فرح غير آبه بالوجع، وبجرأة مندفعة تغوص في الحياة الصاخبة التي لا تهدأ لإعادة اكتشافها من جديد.

    الكتابة الإبداعية ، في الأساس ، فعل جريء ؛ بتعبيرها عن الذات ، وكشفها عن المواقف والسلوكات ، ومحاورتها للأفكار والقناعات ، ومواجهتها للنواقص والاختلالات . قد تخالف السائد ، وتعارض المعتقد ، رغبة منها في تحريك ما سكن وٱرتكن ، قد تحطم الحواجز ، وتتخطى الموانع ، أملا في إذكاء شعلة التفكير ، وإيقاد جذوة السؤال ، قد تزيغ عن المألوف ، وتشذ عن المتعارف ، تطلعا إلى آفاق واسعة للمعرفة ، وسعيا وراء فتح أبواب جديدة ، يطل منها نور يضيء حياة الناس.
ولعل رواية "أموات يحكموننا" للكاتبة شيماء أبجاو ، بأدواتها الفنية وأساليبها الجمالية ، راهنت على تأكيد هذه المقولة ، وحاولت ترسيخها وتثبيتها من خلال معالجتها لقضية شائكة ، طالما تحرز الكثيرون من التطرق إليها، وترددوا مرارا في خوض غمار الجدال والسجال فيها ، لارتباطها في البنية الثقافية الإسلامية بإطار  مرجعي عقائدي يتسم بصفة القداسة ؛ وهي قضية الموروث الديني ، وما يقترن به من مفاهيم وتفسيرات وتأويلات تراكمية تدخلت في تشكيل وعي المسلم ، وأسهمت في تحديد ماهيته وكينونته الوجودية.

في بيت هادئ بإحدى ضواحي مدينة "مكسيكو"، كان شاب عشريني على موعد مع أحد أساتذة الفن الأدبي المعاصرين، وكان هذا الشاب قد نشر روايته الأولى للتو، مما أضفى على حديثه شيئا من الزهو والاعتزاز أمام الكاتب الكبير، خاصة أنه كان قد سلّم لتوّه مخطوط روايته الثانية. كان الكاتب الكبير هو "غابرييل غارسيا ماركيز"، الأديب الكولومبي ذائع الصيت، الذي أعرب للشاب عن اندهاشه من تسرُّع هذا الأخير في بدايات مشواره بهذا الشكل، ليُفاجئه الشاب باستهتار غير عابئ قائلا: "أنت عليك أن تفكّر كثيرا قبل أن تكتب، لأن العالم بأسره ينتظر ما ستكتبه، أما أنا فأستطيع أن أكتب بسرعة لأن قلّة من الناس يقرؤونني".

تهاويم فجر ساطع على برد ديسمبر المطير ...
كان الكل على قارعة طريق، وعلى حوافي جسر شبيه بالذي تركه حصان منيف أو حصان نتشه ... هكذا كنا ننتظر السُّقوط جميعا . فلازال نثيث ٌميََََّادٌ من مطر ناعم يغلف أحلاما رطبة كغريف أمي أو خبز أمي، ويخرج بخارٌ أبيضُ من أنوف أحصنة فقدت، للتـَّو، فارسها في وغى وطيس . من دون استئذان خطاب المقدمات هذا، في الرواية العربية، يعلمنا الصبر والجلد، بل عندما يستدلون ويتحججون ب" هكذا تكلم زرادشت " نكون على أهبة كالساموراي أو كجلاميدَ صخور حطها سيل امرئ القيس من عل . لم تعد ترهبنا هكذا كلمات وعبارات، فأبطالها ـ أي الرواية ـ من ورق، بل يلعبون الورق في "راس الدرب"، ويتجسسون على المارة . ففي غضون حكايات قديمة، مثل التي تسوقها الأساطير، تحدثت امرأة عجوز، بعدما تحلق حولها نفر من الناس، عن أدب يخاطب واقعا غير موجود أصلا، نبني به قصورا من رمال ؛ فتذوب كما ذابت " مدن الملح " .

"تراتيل الجمار الخابية" ديوان شعري للشاعر عبد الله فراجي يرسم أفقا شعريا بملامح متنوعة، ومعالم متعددة تؤسس لأواليات نهج إبداعي يمتلك مقومات الخلق والابتكار، وناصية الاستشراف المتفرد بما يخلق من امتدادات ، وما يجترح من فعل استشراف لمسا حات بكر، وأكمات مسكونة بالدهشة والألق عبر اكتشاف مضيء ، واستجلاء مبين. مما يطرح صعوبة الإحاطة بجوانب المجموعة الشعرية، والغوص في ثنايا مكوناتها ، وسبر خبايا بنيتها الإبداعية ، وأبعادها الدلالية والجمالية.
ولعل ما يميز نصوص الديوان هو طابع التنويع والتكثيف على عدة مستويات يمكن مقاربتها، حصريا، في الغنى اللغوي ، وتعدد الموضوعات. فلغته منتقاة، بدقة وعناية ، للتعبير عن رؤية شعرية مسكونة بهاجس تغيير ينشد إرساء لبنات تجربة إبداعية مختلفة الأشكال والمقصديات : "وطفقت تبحر في عوالم من ضباب غامر" 54 . لغة تمتح من معجم تراثي عميق الأبعاد والمرامي باستخدام مفردات من قبيل ( مزن، سغب، مدام، جمانة ،دنان ، قشيب ، رضاب...) لتجاور لغة حداثية باستعمالات غير مألوفة في سياق انزياحي مثل ( أتوجسها، تموسق ، يشكلني...) بل يتفاعلان ، يتقاطعان ، يتصالبان ، يتماهيان لتشكيل وحدة داخل جوقة شعرية تقوم على إيقاع داخلي وخارجي عبر صور تنتأ تمظهراتها في نصوص المجموعة لتخلع عليها طابعا جماليا ورمزيا ينهل من مرجعيات تاريخية موزعة على أمكنة بحمولات حضارية وثقافية ك ( بغداد ، ودمشق ، وبابل ، والقدس ، وبيروت ، ومكناسة) مقرونة بشخوص ينخرطون في زمن توهج فكري وقيمي ومعرفي بما نحتوه من بصمات ظلت منقوشة في سجل التراث الإنساني مثل ( الحجاج، المسيح، الحلاج، قيس ، ليلى ،السندباد، أوليس، صلاح الدين ، دون كشوط ، عمر) لخلق متن شعري متواشج الخيوط، متلاحم العرى ، متناغم الأصوات.

 " اجل إن مهمة الناقد الغربلة. لكنها ليست غربلة الناس. بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول. وما يدونه الناس من الأفكار والشعور والميول هو ما تعودنا ان ندعوه أدبا. فمهمة الناقد، إذن، هي غربلة الآثار الأدبية، لا غربلة أصحابها. وإذا كان من الكتاب أو الشعراء من لا يفصل بين أثاره الأدبية التي يجعلها تراثا للجميع وبين فرديته التي لا تتعداه ودائرة محصورة من أقربائه وأصحابه فذاك الكاتب أو ذاك الشاعر لم ينضج بعد. وليس أهلا لان يسمى كاتبا أو شاعرا. كذلك الناقد الذي لا يميز بين شخصية المنقود وبين أثاره الكتابية ليس أهلا لان يكون من حاملي الغربال أو الدائنين بدينه.

ان شخصية الكاتب أو الشاعر هي قدسه الأقدس. فله ان يأكل ويشرب ويلبس ما شاء ومتى شاء. له ان يعيش ملاكا، وله ان يعيش شيطانا. فهو أولى بنفسه من سواه. غير انه ساعة يأخذ القلم ويكتب، أو يعلو المنبر ويخطب، وساعة يودع ما كتبه وما فاه به كتابا أو صحيفة ليقرأه كل من شاء، ساعتئذ يكون كمن سلخ جانبا من شخصيته وعرضه على الناس قائلا: " هو ذا يا ناس، فكر تفحصوه. ففيه لكم نور وهداية، وهاكم عاطفة احتضنوها فهي جميلة وثمينة". وإذ ذاك يسوغ لي ان احك فكره بمحك فكري، وان أستجهر عاطفته بمجهر عاطفتي، وبعبارة أخرى، ان أضع ما قاله لي في غربالي لأفصل قمحه عن زؤانه واحساكه، فذاك حق لي كما ان من حقه ان يكتب ويخطب".

في بداية الألفية الثالثة وفي زمن مساءلة العولمة، تعطي قراءة “أناشيد” إزرا باوند الضوء الأخضر لعودة تذكارية إلى القرن الماضي وإلى عباقرته جويس، سيلين، باوند.
ولد هذا الشاعر الكبير بمدينة هايلي في ولاية إداهو الأمريكية سنة 1885 ومات بأحد مستشفيات البندقية سنة 1972. أنجز باوند ضمن إنتاجه الشعري، لاسيما في ديوان “الأناشيد”، العمل الجوهري في قرن شهد نشوب حربين عالميتين. وإذا كانت قصائد “الأناشيد” تقدم نفسها على انها نوع من الملحمة أو سرد شعري لأحداث تخص بناء الثقافة الأوربية، فإنها ترتبط ارتباطا وثيقا بمغامرة رجل، بحياة وحساسية كاتبها وبعصره.
إنه لأمر ذو دلالة أن يصرح باوند في حوار معه جرى في غضون 1962 بأنه شرع في كتابة أشعار “الأناشيد” حوالي سنة 1904، وهي السنة التي اكتشف فيها “الكوميديا الإلهية” لدانتي، مع العلم بأن مشروع قصيدته لم يبدأ في التبلور إلا في عام 1915.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة