احتضنت قاعة مسرح مدينة الثقافة والفنون بأسفي مساء الأحد 22 يناير 2023 عرضا لمسرحية "مقال افتتاحي" لفرقة "حوار" في إطار الجولة التي تقوم بها الفرقة دعما من وزارة الثقافة والشباب والتواصل قطاع الثقافة... المسرحية من تأليف محمد زيطان، تشخيص كل من هشام بهلول في دور حمزة العرفاوي، حسناء المومني ي دور الصحفية فريدة، حنان الخالدي في دور الفانة التشكيلية كنزة زوجة الطاهر الخشباوي، وعبد الله شيشة في دور نادل بالمقهى...
نشير في البداية إلى أننا سنكتفي بملامسة العرض المسرحي المقدم للجمهور في تلك الليلة بعيدا عن النص المكتوب ولغته وحواراته، من خلال عشر ملاحظات سريعة نطل من خلالها على مضمون المسرحية ورسائلها وبعض الخصائص الفنية. وهي ملاحظات متفرج شاهد العرض لأول مرة، ولم يقرأ النص ومن تم فهي ملاحظات آنية ظرفية وليدة المشاهدة الأولى، ليست تقويما أو تقييما للعمل، بعيدة عن أحكام القيمة عسى تكون محاولة لإثراء النقاش حول عمل مسرحي استقطب جمهورا غفيرا تفاعل بإيجابية مع العرض وصفق كثير للتشخيص، وقد تتغير هذه الملاحظات بعد مشاهدة ثانية أو قراءة متأنية للنص:

مقدمة
الإبداع مهما كان نوعه شعرا، أو سردا، أو غناء، أو موسيقى، أوفنا تشكيليا، لا يأتي من فراغ، وإنما من أربعة أشياء أساسية لا خامس لها:
ـــ أولها اطلاع المبدع على تجارب مختلفة، وما لملمه من الغيْر عبرَ قراءة الكتب والصحف؛ وما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام من منشورات ثقافية متنوعة..
ـــ ثانيا ما ورثه المبدع عن أجداده من ثقافة شعبية مختلفة المواضيع، عبر الحكي الشعبي والأمثلة، ومنثور الأقوال والحكم، والقصص الخرافية والأساطير والحكايات الخيالية..
ـــ وثالثا من احتكاك المبدع بالواقع، وتوغله في جوهر الأشياء، وتأمله الواسع لحيثياته وتغيُّراته، وما يجري فيه ..
ـــ رابعا وأخيرا، ملكة الإبداع أو الإلهام، الذي يجعل الفكرة تلتمع في الأذهان، فيذكيها المبدع ويثريها بالعناصر سالفة الذكر...
وشاعرنا كغيره من المبدعين، لم يدخل مغامرة الإبداع من أجل الحيازة على لقب شاعر، ولا رغبة عن طيب خاطر لكتابة الشعر، وإنما شيء ما أشعل مشاعره وأجج عاطفته، فأجبره على أن يكون من حمَلة القلم والبياض، لينفذ برأيه الثاقب في الأوضاع الموبوءة ويقول كلمته ..
1ـــ الحرف يحقق الكينونة
حلقت الأيام بالذات الشاعرة، فأصبحت تائهة تتشابك الطرق أمامها، وتلوح في أفقها الأشباح، مرت فترة من الزمن وهي تتخبط خبط عشواء، فعادت بها الذاكرة إلى الحرف، إلى الشعر، حيث الخيال يطير بها عبر مفازات الكون، لبناء عوالم تريح النفس، فتحقق الكينونة، ويصبح لها حيز جغرافي في الوجود يعترف بها التاريخ، تاركة بصمة ذهبية في عنقه.. والحرف كما يعلم الجميع لن يأتي على طبق من ذهب بسهولة، أو بقدرة قادر، ليصبح المرء بين عشية وضحاها شاعرا، وإنما هو إلهام يدغدغ الذهن حين تعتصره المشاعر من الدواخل؛ وتأملات ثاقبة تناغمت مع اجتياح الخيال، لتتوغل في عوالم الأشياء، نافذة في عناصر الوجود، ملامسة الجوهر، حيث في بهو الحرف، تستأنس بمتعته، بمحاورته، بالإنصات إلى ترنمه، وشطحاته ..

1ـــ مقدمة
أول ما أستهل به قراءتي المتواضعة عتبة العنوان "سحر البحر " كعلامة سيميائية لها وظائف متعددة ، تخص أنطولوجية النص ومحتواه، وتداوليته في إطار سوسيو ثقافي، كتعريف وكشف له، وهو الباب الأول لاقتحام المضمومة، والعنوان" سحر البحر " مركب من خبر لمبتدأ محذوف ومضاف إليه كجملة تامة المبنى والمعنى ...وكلمة سحر تتعدد معانيها لغويا، فهي تعني :جلب العين بدهشة ،أو عمل من أعمال الشيطان الذي يُذهب الصحة ،ويُحّول الشيء عن حقيقته، أو تعني الخديعة والغواية، غير أن مبدعنا يتناولها بشكل رمزي في إطار الإعجاب والافتتان بالشيء والروعة التي عليها البحر، لكن لا يقصد البحر العادي بأمواجه الخلابة وشاطئه ورماله الذهبية، وإنما عالم الشاعر المتقد بالتنوع : العشق ــ الحب ــ الموت ــ الحزن ــ الهلوسة ــ بل الكون برمته وما يحتويه من جمال ورونق مطليين بالقبح والتلوث.. وهي رؤية تفاؤلية /تشاؤمية في نفس الوقت لإجابية الحياة والكون مهما اعتلتهما من قضايا إنسانية شارخة، ومهما توسّده الكاتب على سريرها من مخدات الجمر والبؤس والألم ، وسلبيتهما حين اقتحمت الرؤيةَ بالسوداوية والقتامة.. فعين الكاتب مشرقة على الحياة، تراها وردية مزهرة تارة، وأخرى تُوشحها قيَم سائرة نحو المنفى، فكانت تلكُم شوكة حادة وخزت حِس الكاتب، ليزرع في واقع تَلبّد بالإبهام والغموض والمتنافر الأبهى والأروع من الإبداع "رواية "سحر البحر "..
استهلت الرواية بدفقة شعرية واسعة الدلالات كفاتحة، كأنها تناسلت من شعر أبي تمام، بضروب من المحسنات، تتلاطم ألفاظها وتشتق في جَدَلية لامحدودة، تنطق بصور شعرية بديعة، مكتنزة بالرمزي والإيحائي والمجازي والاستعارة، ليفتح شهية القارئ بلقطة، يعانق فيها الأشياء، ماحيا المسافات بينه وبينها، فانصهرت الذات الشاعرة والذات السردية في توحد عميق، بلغة متينة وصياغة مائزة، ترقص على وتره العازف لتقول ما لم يكن مألوفا ...

أراد عبد الله بلعباس أن يطل على قرائه من جديد بإصدار قصائد تنتظم بين دفتي كتاب وسمه صاحبه ب "مجموعتين شعريتين" تحت عنوان : "عيون النسيان"-1- بعد أن أصدر عمله الأول: "الكتابة بخط البحر" -2- ، والذي قسمه إلى مجموعتين شعريتين كذلك، ليؤكد من جديد أن بوحيه الشعري الذي أرقه طيلة عقود من الزمن دون أن يرى النور بفعل عوائق النشر لابد له أن يصل إلى المتلقي، وإن كلفهُ ذلك جهدا ماديا مضاعفا.
"عيون النسيان" عنوان مستفز للقارئ كي يقبل على تصفح الديوان. ويبدو لي في البداية أن هذا العنوان - كعتبة - ينطوي على مفارقة لافتة للانتباه، تتمثل فيما توحي إليه العينان أو المآقي أو اللواحظ في الشعر العربي القديم من جمال وسحر وأسر يجذب الرائي ويفقده صوابه، كلما حدق فيها إلا ووقع في فخ الانسياق والتيهان والاستحضار لا في فخ النسيان والجحود واللامبالاة - من جهة - أو ما ترمز إليه هذه العيون من قدرة خارقة على الرؤية النافذة لأعماق مظاهر الأشياء، واستكشاف الآماد البعيدة المحجوبة عن الرؤية العادية. كما يرويه لنا مؤرخو الأدب ورواته عن "زرقاء اليمامة" على سبيل المثال - من جهة أخرى - أو ما ترمز إليه في الشعر العربي الحديث من قدرة على الإيحاء والتحريض والتشهي، وهذا ما يدعو الشعراء إلى التملي فيها ومغازلتها والسفر فيها. في حين -وعلى النقيض من ذلك- يريد بلعباس أن ينسب إلى العيون وظيفة جديدة ألا وهي النسيان أو التناسي، بمعنى العماء والسديمية، وهذا هو ما لا يستقيم فهمه منطقيا على الأقل.

تقول أسطورة كتب العرافة (النصوص الأسطورية والنبوية لروما القديمة) أنه في المدينة، اقترحت امرأة بيع 12 كتابًا للناس تحتوي على كل معارف وحكمة العالم، بسعر مرتفع للغاية.
لم يقبل الناس على شرائها وقراءتها، معتبرين العرض سخيفا، لذلك أحرقت صاحبة الفكرة نصف الكتب على الفور وعرضت الستة الأخرى بسعر مضاعف. سخر منها المواطنون، رغم القليل من التوتر.
أحرقت المرأة من كتبها ثلاثة كتب أخرى، وعرضت الباقي للبيع، وضاعفت مرة أخرى السعر. رفضت على مضض تعديل السعر مع أن الظروف كانت صعبة وبدا أن الحياة تزداد صعوبة.
في النهاية، لم يتبق سوى كتاب واحد. دفع المواطنون ثمنه الباهظ الذي طلبته المرأة وتداعوا وحدهم للتلاعب به بأفضل ما في وسعهم؛ علما بأنه هو الكتاب الثاني عشر من كل المعرفة والحكمة الموجودتين في العالم.
الكتب ملأى بالمعرفة. إنها ملقحات لأذهاننا، تنشر الأفكار التي تتكاثر عبر الزمان والمكان. ثم نجنح إلى نسيان كيف تجعل خصائص الصفحة أو الشاشة التواصل بين أدمغة بعيدة عن بعضها البعض، في نهاية العالم أو في نهاية القرن.
الكتب، كما قال ستيفن كينغ، "سحر محمول فريد" - والمظهر المحمول لا يقل أهمية عن السحر. يمكن حمل الكتاب وإخفاؤه، مثل مخزن المعرفة الخاص بك (مذكرات ابني بها قفل - غير ضروري ولكنه مهم من الناحية الرمزية).
سطوة الكلمات الموجودة في الكتاب هائلة جدا لدرجة أنه لطالما كان من المعتاد محو بعضها: مثل اللعنات في روايات القرن التاسع عشر، أو الكلمات التي يصعب كتابتها، مثل اسم الله في بعض النصوص الدينية.

يَسُود اعتقاد فَحْوَاه أن الأديب إنسان يصنع عوالم من وَحْي أَخِيلَتِه تَعْنِيه وحده دون سواه. وتحت تأثير الثقافة التكنوقراطية، يَحْسبُ خَلْقٌ كثيرٌ أن الأدبَ مضْيَعَة للجهد والوقت معا؛ من ثم فلا فائدة من ورائه و لاجدوى.
لِنَسْأَل بالارتكاز على هاته الملاحظة الأولية: هل يَصْنَعُ الأديبُ فعلا عوالم من نَسْجِ خياله؟ وإلى هذا الاستفهام نضيف: أَيُمْكِنُنَا الزَّعم أن الأدب بضاعة خاسرة؟
محاولة الاقتراب من هذين التساؤلين اللذين ابتغيناهما مُحَرِّكَين لعملنا هذا سَتَقْذِفُ بنا في خِضَم تَطَارُح مهمة الأديب، فوظيفة الأدب الروائي تخصيصا في مجتمعاتنا العربية.
فمثلما أن الشاعر يكون شاعرا لأنه " يشعر ما لايشعر به غيره، أي يعلم" 1؛ نلْفِي الروائي بدوره يعي ما لايعيه سائر الناس، اعتبارا لكون الرواية " تشكيلا للعلاقات الإنسانية بكل تعقيداتها "، وتعبيرا مُجَنَّحاً، ومُلتبساً عن عالم يكتشف نفسه " كغابة من الإشارات على حد قول عبد الكبير الخطيبي.2
وترتيبا على هذا القول تغدو الرواية نظرة فنية تعبر عن الوجود العيني من جهة، وتشريحا دقيقا بمبضع الإبداع لأدق تفاصيل المجتمع والسياسة، ولطبيعة العلاقات السائدة من جهة ثانية، ثم تركيبا، وإعادة تركيب واعية للواقع الاجتماعي عبر أساليب السرد؛ والوصف، وتقنيات الحوار، وبناء الشخوص من جهة ثالثة.
بهذا المعنى تضحى الرواية تجربة إنسانية وجودية حَمِيمَة تَهُزُّ كيان صاحبها لتُحَرِّكَ فيه كل طاقاته الخلاَّقة، ومقدراته التَّخْيِيلِيَّة التي تسعفه في استحضار كل الأبعاد النفسية والاجتماعية 3 دون فصلِ المعنى عن المبنى، وَوَصْمِ التجربة عن الأسلوب.

الحرب كتيمة مفضلة ما انفكت محورا هاما للشعراء والروائيين منذ هوميروس في الإلياذة والأوذيسا وحرب داحس والغبراء وقصائد المهلهل في رثاء كليب وحرب البسوس وصولا إلى روائي العالم كهمنغواي وتولستوي وجورج أورويل وحنا مينة وكنفاني وغيرهم تمثيلا لا حصرا ،القتل العشوائي ،الحرب بلا هدف مسوغ ،التدمير والسادية ،العنف غير المبرر، التجارة في الحرب وتنمية حاسة الاستئذاب لدى الجشعين ومراكمي الأرباح من رائحة الدم والأشلاء تظل موضوعا مفضلا كذلك اليوم لدى لفيف من الكتاب في سوريا مثلا في يوميات الدم والاغتصاب وكما في نكاح الجهاد في العراق وأفغانستان والعنف والتجويع والإخضاع في اليمن وغيرها.
ورواية "الحياة من دوني" لعائشة البصري عضو بيت الشعر واتحاد كتاب المغرب تتخذ من الحرب تيمة لعملها الباذخ الذي اقتضى سنوات من الإعداد ومراجعة الوثائق والصور والرحلة إلى أقصى الأرض.
ترتكز هذه الرواية على بعد فكري راسخ هو الانتصار للمرأة والدفاع عن حقها في الوجود وصون كرامتها وشجب كل محاولات التضييق والاتجار بها وانتهاك معنى وجودها وكرامتها كإنسان وقد كانت الحرب ميدانا تعرضت فيه المرأة إلى أبشع جريمة تنال من كرامتها وإنسانيتها،لقد كانت ضحية لحرب موازية مسكوت عنها لا يتحدث عنها المؤرخون عادة.
يحيل العنوان وهو عتبة من عتبات هذا المنجز التخييلي على معنى الغياب والتلاشي وتأتي الصورة بالأبيض والأسود كعتبة ثانية بخلفية رمادية لفتاتين صينيتين تنظران نظرات حائرة،سارحة، مشجية تغور في أعماق الإنسان منا لتثير توترنا وشجونا كذلك ثم الإهداء الذي جاء هكذا :إلى ضحايا اغتصاب الحروب ، ثم الأقوال المختارة التي تكثف المعنى في اقتصاد لفظي لأديبين فرنسيين وثالثة أمريكية عن هول الحرب ولا إنسانيتها خاصة إزاء المرأة:

لا تخلو مكتبة من مكتبات الجامعات العربية،ولا مكتبة عامة من مكتبات المدن والحواضر العربية، ولا مكتبة تجارية أو مكتبة خاصة لأي مثقف أو أكاديمي أو قارئ للكتب أو جامع لها من بعض كتب الناقد والعالم والباحث الكبير الأستاذ شوقي ضيف (أولاد حمام، دمياط1910 /القاهرة 2005) فما تناثر من تراث شعري ونثري في المدونات الأدبية الكبرى كالأغاني والعقد الفريد والجمهرة وزهر الآداب والذخيرة وغيرها مدونة بلغة عصية على ذوق ولسان العصر صاغه شوقي ضيف في لغة ميسورة بليغة ودقيقة دارسا ومتذوقا وناقدا لهذا التراث الأدبي الضخم منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث ، دارسا الفن ومذاهبه في الشعر العربي والفن ومذاهبه في النثر العربي ثم معرجا على الفنون الأدبية المختلفة وهي تشكل موسوعة أدبية ضخمة كلفت الناقد سني عمره درسا واستقصاء ونقدا بموضوعية وروح لاتكل من البحث والاستقصاء والصبر والعزوف عن الأضواء والعجلة في الحكم والرغبة في المكاسب المادية على حساب الإخلاص والفضول والمعرفة تهيمن على ذلك كله وطنية صادقة وقومية عربية لا غبار عليها وروح إسلامية تتسرب قيمها فيما خطت يمينه تكرس حب العلم ونشره أسوة بعلماء الإسلام الكبار في شتى مجالات الدين والأدب والفلسفة والعلم.