عدت في تلك الليلة من رمضان إلى البيت استلقيت أمام التلفاز أبحث عن لحظة استمتاع وإفادة ... شدني شريط تلفزي مغربي بالقناة الثانية، وقفتْ فيه البطلة تعترف لثلاثة أشخاص أمامها قائلة (عندي سرطان في مراحله النهائية تعبت من الأدوية وهذا الداء الخبيث لا يزيد إلا انتشارا بذاتي ... الطبيب أخبرني أنني لن أعيش إلا ستة أشهر وها أنذا أعيش يوما بعدها... زياد، خديجة أتوسل إليكم إن حصل لي مكروه اعتنوا بإبراهيم عاملوه كأخ لكم ... هيا ساعدوني على وضع الأواني بالسيارة) وما كدت أعدل جلستي لمتابعة باقي الأحداث حتى فاجأني آخر مشهد في الشريط يُظهر البطلين والطفل زياد داخل سيارة في جو عائلي مع بزوغ أشعة شمس تزرع أملا في طريق هذه العائلة... عرفت من جينيريك النهاية أن الأمر يتعلق بشريط (ستة أشهر ويوم) للمخرج عبد السلام الكلاعي... من يومها لم يغب عن ذهني ذلك المشهد وعشت أمنّـي النفس بفرصة تتيح لي مشاهدة الشريط كاملا ولي قناعة أنه سيحتفي باللغة ما دام اختيار كلمة "أشهر" في العنوان بدل "شهور" تنم عن اختيار واع بأهمية التمييز بين جمع القلة (أشهر) وبين جمع الكثرة (شهور)... وكبرت الأمنية أكثر لما عرفت في ما بعد أن الشريط حصد ثلاث جوائز هي الجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة التشخيص ذكورا في مسابقة مهرجان مكناس للدراما التلفزية...

دار العشاق رواية حديثة للروائي المصري ناصر عراق في 356 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2018. تصنف هذه الرواية ضمن الروايات التاريخية، ولكنها تستعين بالخيال لمقاربة ما سكت عنه التاريخ لغرض ما، وبهذا التخييل تعيد النظر في قراءة التاريخ ذاته وفق رؤية فكرية وجمالية محددة.
تتطرق هذه الرواية إلى الفترة الأولى من حكم محمد علي باشا والي مصر، وتحديدا بعد مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811 لتتنهي الأحداث عام 1816 بالحملة على الحجاز مرة أخرى من قبل إبراهيم باشا ابن محمد علي.
وتطرح الرواية أسئلة هامة وتثير إشكاليات سياسية وفكرية وثقافية من قبيل لمن الأسبقية للعدل أم السيف؟ ما جدوى حاكم بني القناطر والمصانع والمستشفيات في مقابل تخريب الإنسان وامتصاص عرقه ودمه معا؟ وماذا عن الامتيازات الأجنبية؟ ما هي الآلية التي يبسط بها المستبد نفوذه حتى يتحكم في رعيته، ولم تسكت الرعية وتستكين؟ العلاقة بين السياسة والدين، الآخر المختلف (الأوروبي) وغيرها من القضايا والإشكالات التي طرحتها هذه الرواية التاريخية والخلاسية معا.

إن الحديث عن النص الرقمي، هو حديث عن نص أدبي لا يتأتى إلا من خلال منظومة متكاملة ومتوازنة من الروابط والعقد والوسائط الرقمية، التي تنقل بحضورها النص الأدبي من شكله الكلاسيكي إلى الشكل الرقمي، فنكون بذلك أمام أدب «يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد يجمع بين الأدبية والإلكترونية ولا يمكن أن يتأتى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء، ولا يكون هذا الأدب تفاعليا إلا إذا أعطي المتلقي مساحة تعادل أو تزيد مساحة المبدع الأصلي للنص»[1].

نتحدث إذن، عن «شكل أدبي جديد يوظف الإنجاز التقني المزود بمختلف التقنيات والتطورات الإلكترونية من عتاد وسائطي وبرمجيات، فضلا عن الوسائط المتعددة، أي ما يمكن أن يستعمل في المجال السمعي والبصري، والمعلومات للدلالة على استعمال الأصوات والصور، والخطاطات ومقاطع الموسيقى».[2]

إن هذه الوسائط المشار إليها تحضر بقوة في النص الرقمي، باعتبارها عناصر مؤسسة لا يتحقق النص الرقمي إلا بوجودها، ومادامت تحضر بهذه الدرجة من القوة والإلزامية فإن وجودها يشكل سلطة تفرض على النص، سلطة مستمدة من حتمية الحضور وفاعلية الوجود، ومادامت له السلطة الاعتبارية داخل النص، فيترتب عن ذلك تحقق جذري لمستويات متطورة من التفاعلية الرقمية.

"امرأة وحقيبة"، أولى خطوات الكاتبة "إحسان شرعي" في مجال التأليف والنشر، وهي خطوة نرجو أن تتبعها خطوات أخرى ستكون، لا محالة، إضافة لهذا الجنس الأدبي المنفلت والمستعصي على القبض، كما نرجو خلال سفرها بين الأحداث والفضاءات والتفاصيل والشخوص، أن تفتح للكتابة عمقا ينضاف إلى الموجود، مُضيفا له، لأننا نعتقد أن الكم يفتح، مستقبلا، الباب للنقد والاختيار وتثْبيت الكَيْف، بل تطويره، وإعطائه آليات الثورة على المَمْجوج والمُبتذل والبئيس الذي يقف بالقارئ حيث هو ولا يُضيف إليه.
"امرأة وحقيبة"، مجموعة قصصية، جمعت بين دفتيها الحب والحلم والبوح واليوميات والانعتاق وأشياء خاص... بتناول جميل أولا، ثم جِرّيء يتجاسر على الذات والواقع والمسكوت عنه.
"امرأة وحقيبة"، بداية السفر نحو ألق الكلمة وسرّها، وخوض مجاهل الكتابة ومساربها، والسير بها مقتحمة فضاءات الحكايات معانقة شخوصها التي تؤثثها، ومُنْصهرةً في تفاصيلها التي تنسج وترتّقُ معالمها بحكمة وذكاء لتصل إلى المُبتغى والمُرام .
"امرأة وحقيبة"، عتبة توحي أول ما توحي به للقارئ، بأُفق منفتح على السفر، على المجهول. عتبة مركبة من شقّيْن، "امرأة" و"حقيبة"، لماذا امرأة وليس رجلا؟

 المتعلقات والممكنات:
تظهر المتعلقات في النصّ القصصي عندما يمتلك القاص اللغة التي تقوده إلى وظائف وابتكارات تركيبية تؤدي اشتغالاتها من خلال الحدث التأثيري؛ ويكون للفعل التأثيري اللغوي الخصوصية لكلّ كاتب ومدى اهتمامه في صفّ المنظور السردي؛ ومن خلال هذا المنظور نستطيع أن نتابع بعض القصص التي من الممكن أن نتوقف في زواياها ومدى ظهور الممكنات الحجاجية والمتعلقات التفكرية والفكرية في النصّ السردي الحديث.
الممكنات المتعالقة : هي قدرة القاص على ترجمة فعل المتخيل من خلال الواقع المنظور، وكذلك مدى استجابة الذات الحقيقية بما تعلق بها من أحداث قد تكون واقعية وقد تكون لاواقعية.
ممكنات المعنى: وهي الثروة المتعلقة بالذهنية والتي يفرغها السارد على البياضات من خلال المقاربة الرؤيوية.
التركيب اللغوي الدلالي: من خلال اللغة الدلالية نستطيع أن نتصل مع المعاني الصريحة في جسد النصّ، وفي نفس الوقت يكون الرائي ذا خبرة وإمكانية في دقة الحدث الدلالي لكي يستطيع أن يوصل المعنى الحرفي للارتباط النصّي، ويكون للمفاهيم والمعاني المعرفية المساحة الكافية لجذب المتلقي. أيّ أن تكون للدلالات المعرفية الشأن والتأثير في النصّ القصصي.

يقول ديبارو: "الكتاب صديق لا يخون". ومن أجمل الكلمات التي قالها الكاتب المعروف فرانز كافكا عن الكتاب: "إذا كان الكتاب الذي نقرؤه لا يوقظنا بخبطةٍ على جمجمتنا فلماذا نقرأ إذاً؟ إنّنا نحتاج إلى تلك الكتب التي تجعلنا وكأننا قد طُردنا إلى الغابات بعيداً عن الناس؛ على الكتاب أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المجمّد داخلنا".
وقد قيل في الماضي: الحياة كتاب على الأرض، فلا تهمل قراءته، ولا تُصدق كل مافيه، وقد يأتي يوم تكتشف فيه أن حياة واحدة لا تكفي لقراءة جميع الكتب التي في المكتبات أو المحفوظة في ذاكرة حاسوب ما، وربما تقرأ كتاباً جيداً تلتهمه مثل وجبة مفضلة، كما تلتهم طبقاً من البطاطا المقلية، وتشعر بأنك تريد إعادة قراءته، لأنه لمسَ شيئاً داخلك وأضاف لك شيئاً جديداً، وهناك كتاب مملّ لا تريد أن تكمل قراءته، بل إنك تودّ أن ترميه من أي نافذة قريبة.

لا أجمل من أن تجلس قرب مدفأة في الشتاء وبيدك كتاب جديد، تفتحه بشغف، تشمّ صفحاته تستقبل عبق الحروف الجديدة، تخرج من جدران غرفتك لتجلس بين جدران صفحاته، وتتخيل قليلاً كيف ستكون حياتك بعد قراءته؟ هل سيتغير فيك شيء ما؟ هل ستقلع عن أي فعل كنت قد اقترفته بلحظة ضعف؟ هل ستقوم بفعل عادة جديدة، بأن تقرأ أكثر بنهم، وتشتري مزيداً من الكتب، بدل زجاجات الكحول أو عُلب السجائر التي تضر بصحتك مثلاً؟
فأي كتاب بنظري يفيد بشيءٍ ما، وإن كان سيئاً، ولم يوفر لك المتعة التي كنت تنتظرها منه، لا بدّ من أن تتعلم منه شيئاً، أو أي حكمة ولو كانت بسيطة.

عن منشورات المتوسط بميلانو صدر في عام 2020 كتاب عبد الفتاح كيليطو الموسوم "في جو من الندم الفكري في 78 صفحة لا أكثر.
سيرة لرحلة الكتابة ومتاهاتها عند هذا الناقد والمبدع الذي لم يشأ التطويل والإفاضة إلى حد الملل والإملال على عادة بعض الكتاب في تفخيم الأنا وتمجيدها إرضاء لنزعة نرجسية لا تمل من الحديث عن بطولاتها الفكرية والولوع بكل التفاصيل التي تهم والتي لاتهم .
بروح موضوعية وتواضع معرفي استهل الناقد أولى مقالاته بهذه المقولة لغاستون باشلار( إذا تحررنا من ماضي الأخطاء فإننا نلفي الحقيقة في جو من الندم الفكري ،والواقع أننا نعرف ضد معرفة سابقة وبالقضاء على معارف سيئة البناء وتخطي ما يعرقل في الفكر ذاته عملية التفكير).
عناوين مثيرة لفصول الكتاب تختفي فيها الأنا في متاهات الكتابة والكتب التي شكلت عقل ووجدان الكاتب في الشرق والغرب وكأن الكتابة هي نسيان ما قرأناه وما تعلمناه لينصهر كل ذلك في الذات فتعيد هي إنتاجه وصياغته . يروى أن الشاعر أبا نواس جاء إلى خلف الأحمر يريد أن يقرأ عليه قصيدة نظمها، لكن خلف الأحمر أشار عليه بحفظ ألف من المقاطيع الشعرية بين أرجوزة ومقطع شعري، فلما حفظ الشاعر ذلك جاءه يعلمه أنه حفظ ما طلبه منه فأشار عليه مرة أخرى بنسيانها فلما تم له ما أراد، أذن له في نظم الشعر.وقبل ذلك أشار أحد رواة الشعر على الفرزدق الصبي أنه لن يستقيم له نظم الشعر ما لم يحفظ القرآن، فربط نفسه إلى سارية حتى حفظه وهكذا ذاب القرآن بلفظه ومقاصده ومعانيه في وجدان وعقل الشاعر وتحول إلى عملية إبداعية خالصة عند الفرزدق وقريب من ذلك ما روي عن جرير أنه قال لما سمع قصيدة عمر بن أبي ربيعة( أمن آل نعم أنت غاد فمبكر) مازال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر ! أي إنه كان في مرحلة تكوين لم تستقم له الملكة الشعرية بعد حتى ذاب في عقله ووجدانه كثير جدا من الشعر القديم فشكل نسغ الإبداع عنده أي نسيان ما تعلمه وما حفظه.

خمسون سنة مرت على العدد الأول من مجلة " أقلام " المغربية، بما هي عبرت، لعقود، عن طموح وآمال في التغيير نحو الأفضل . الالتزام، و الأخلاق، والدفاع عن المواقف كان هو الخط التحريري الذي التزمت به المجلة تجاه قرائها . فكانت مواجهة الواقع، إحدى الوسائل الكفيلة لإبلاغ الصوت، الذي ظلت تدافع عنه المجلة منذ صدور العدد الأول، قبل توقفها، لتستأنف مسارها من جديد بعد ذلك . والميزة الأساسية، التي انفردت بها المرحلة الثانية من عمر المجلة، أنها وسَّعت من طاقم هيئة التحرير، بل أصبح مستقلا لتضم أسماء لامعة في المشهد الثقافي المغربي، فإلى جانب محمد عابد الجابري الفيلسوف ومحمد زنيبر نجد عالم اللسانيات الدكتور ادريس السغروشني، فضلا عن المؤرخ وعالم الاجتماع محمد القبلي، بالإضافة إلى الدكتور والطبيب عبد الكريم العمري المتخصص في الأمراض المعدية . إنها شلة من المثقفين المغاربة، الذين حملوا لواء التنوير والنقد بهدف البناء، والتخلص من إرث استعماري أثقل كاهلهم، فانفتحت تجاربهم الإبداعية على أسئلة السياسة والوطنية والقومية .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة