أصل الاسم
يرى النحاة أن كلمة "اسم"، ثلاثية الأصل، وأن همزة الوصل فيها بدلاً من لام الكلمة المحذوفة، والأصل (سمو). وهذا رأي البصريين. ويرى الكوفيون أنها بدل من فاء الكلمة المحذوفة، والأصل (وسم). لكن مقارنة اللغات السامية تدل على أن هذه الكلمة مع كلمات أخرى كثيرة، مثل يد، ودم، ذات أصل ثنائي. فكلمة اسم جاءت:
في العبرية: شِمْ shem، وفي الآرامية: شَماَ shma والألف الأخيرة فيها أداة التعريف. وفي الحبشية: سم sem، وفي الأكادية: شمْ shumu؛ وهذه المقارنة تدل على أن ما ذهب إليه النحاة القدامى، لا يمت إلى الصواب، وذلك لجهلهم اللغات السامية.
سلطة الاسم في حكايات ألف ليلة وليلة
تُعتبر الاسماء واختيارها من أصعب ما يواجه الكاتب الروائي والقصصي والمسرحي عموماً، ومثله الناقد الذي قد يضطر أحياناً إلى إغفال مسألة تناول الاسماء أو التعرض لها بالشرح والتحليل والتفسير في النص وعلة اختيارها لعدة أسباب، من ذلك عدم وجود مغزى للكاتب في اختيارها، أي أن هذا الأخير كان عشوائياً، ومنها حقيقة الاسماء وواقعيتها، بيد أن ثمة أعمال أدبية كثيرة كانت صناعة واختيار الاسماء فيها لها حساباتها الخاصة والدقيقة، ولها أهدافها وجذورها التي تضرب في عمق القضايا النفسية والفلسفية للذات الإنسانية، ولعل أكبر تجسيد لهذا ومما نأخذه كنموذج لتوضيح ما نرمي إليه، حكايات "ألف ليلة وليلة " التي رغم كونها مجهولة الهوية بيد أنّ عظمة هويتها تقترن بالدقة في صنع وحبك التفاصيل الجوهرية للعلاقات الإنسانية، والاحتراف والدقة والبراعة في رسم الشخصيات، والمعرفة العميقة بخبايا النفس البشرية وما تحمله من تناقضات، ولعل مما يدهشنا فيها وهو ما نحن بصدده قضية اختيار "الأسماء" والمهارة في صناعتها لتتوائم مع مقتضى الحال، إذ كانت وفق معايير وقواعد نفسية دقيقة، تُجسّد السلطة التي يمتلكها الاسم وتتحكم في حياة الإنسان وطبيعتها، أيضاً تصف كيف يشارك الاسم في رسم ملامح الشخصية الإنسانية وتشكيل ملامحها في إطار سياق عام ومنظومة تحكي براعة الصانع وخبرة البنّاء في رصف الحجر، وتصف مشاركة الاسم في تشكيل التركيبة السُلطة والفسيولوجية، من ذلك وكمثال شخصية "علي الزئبق"، هذه الشخصية تتصف طيلة الحكايات التي تدور في فلكها وضمنها بصفة الزئبق فيستحيل إمساك علي الزئبق أو القبض عليه، كذلك شخصية " النحّاس " والذي يقترن بالنحس طيلة الحكاية وفي أي عمل كان يقوم به، وبالمثل نجد شخصية "باسم الحداد" والتي تدور حكايتها في فلك "الحِداد" وهو حداد الموت "ثلاثة أيام "، أما الاسم الأول "باسم " فعبر عن القصد من الحداد ويستهل به كقولنا "بسم الله" ولكن بدون التضييق على ألف الوصل، وهذا المعنى للاسم يُجسد المعنى الإجمالي من الحكاية وفلك موضوعها، فباسم الذي كان عاملاً على باب الله، ليس له أُسرة يُعيلها، كان يخرج من مسكنه صباحاً لكسب ما يحتاجه في سبيل إحياء ليلته، إلى أن يزوره أمير البلاد ووزيره متنكرين بعد أن يُغريهما مشهد مسكنه إذ كان مبعث خروجهما بهذه الأزياء وهذا التنكر البحث عن المتعة واللهو والأنس والمؤانسة، فيأتي مشهد مسكنه بنوافذه المشرعة التي ينبعث منها الضوء، وصوته الذي يُدندن بهِ، فيُشاركاه أمسيته، ويأخذ هو في وصف طريقة عيشته لهما، والتي يستسيغها الأمير ويروقه الالتفات إليها، لغرابتها وسذاجتها والطرفة التي تضج بها، يتبسم الأمير من ثمّ وقد راقه الأمر وانتابته رغبة عارمة في كسب شيءٍ من المتعة مع باسم المسكين الذي لم يعلم ما دار بخلد الأمير وما خبئه له القدر..!

قرأت كتاب شليمو اليهودي الصادر عن دار سجلماسة، لصاحبه الكاتب أحمد الطاهيري. بكثير من الشغف الممزوج بالرغبة في فك شيفرة تشكلات الحكاية، وحل عقدة تجنيس هذا العمل الابداعي. فالعمل من عنوانه بداية، يمارس ضغطا هائلا على القارئ، ويستفزه بما يكتنفه هذا العنوان من حمولات دلالية وفكرية وايديولوجية، تمتح معانيها من السياقات الاجتماعية والدينية والثقافية التي بني عليها النسيج الاجتماعي والديموغرافي المغربي في فترة من فترات تاريخ المملكة الذي يمتد بكل فخر إلى أربعة عشر قرنا. ونحن نقصد هنا المستوى الرفيع والمدهش والمحير، من التعايش الاجتماعي الفريد والمدهش بين المكون الثقافي المغربي العربي، الامازيغي، الاسلامي، والمكون الثقافي اليهودي العبري. أي بين المغاربة باختلاف مشاربهم، المغاربة العرب، المغاربة الامازيغ، المغاربة اليهود.
كتاب شليمو اليهودي، هو محاولة ابداعية لفك شيفرة هذا التعايش وتسليط الضوء على هذه السياقات الاجتماعية التي تبدو ظاهريا مختلفة ومتناقضة حد الافتراق والتباين، لكنها منسجمة ومتعايشة حد السلام والاطمئنان.

1 – بين يدي السؤال..
هل نحن في حاجة إلى مسرح.؟
بشكل أشمل وأكثر استفزازا وصراحة جارحة، هل نحن في حاجة إلى فن؟ وماذا يضيف المسرح/الفن لحياتنا؟
سؤال مباشر، صريح، استفزازي، سؤال يضم بين طياته أكثر من سؤال، عن الذات، عن التربية، عن القيم، عن المجتمع، عن الذوق، عن الإنسان عموما.
سؤال يدفع ببعضنا إلى الدهشة والاستغراب، وبالبعض الآخر إلى الانخراط في البحث عما وراء السؤال، عن مَكْمَن اللُّغم والاستغراب وأسباب طرحه الآن.
وبما أن السؤال استمرار وبداية دائما، نطرحه الآن في هذا الظرف الذي تتكاثف فيه الرداءة وتتحول إلى قوة، حسب رأي أرسطو.. نطرحه الآن والأجيال تتجدد وتتطور تبعا لهجمة وسائل التواصل والاتصال، نطرحه الآن والوطن العربي يعيش زمن التردي والتراجعات..
وبما أن الجواب نهاية السؤال وموته، فالسؤال هنا، يفرض علينا توقُّفا للتأمل والتمحيص والبحث، وتحليل الواقع العربي والنظر في أسباب التخلف والتراجع والخيبات وتردّي الذائقة العربية.

لا يقل حضور الطفولة في الثقافة الشعبية عن مثيله في حقل الدراسات النفسية والتربوية المعاصرة، سواء محليا أو عالميا. تشهد بذلك الأمثال والألعاب والأهازيج، وآلاف الخرافات وحكايات الجدات التي تعد مدرسة في الإبداع، والجنوح بالخيال إلى أقصى مداه. فالثقافة الشعبية كانت، ولاتزال بدرجة ما، هي الحاضنة الأساسية للطفل، يتشرب منها القيم والعادات، ويكتسب منها معايير السلوك الاجتماعي، وقواعد العيش داخل فضاء الأسرة والقبيلة.
إن عملية تنشئة الطفل شكلت تحديا لدى كل أمة للوصول به إلى أفضل مستويات النمو والتعلم، من خلال تزويده بالتجارب والخبرات، والممارسات العملية التي يتوجب تمريرها من جيل إلى جيل. هكذا تصبح شخصية الطفل حصيلة معتقدات الراشدين، التي تعبر بدورها عن مخطط ثقافي، هاجسه الأساسي هو ضمان الاستمرارية والخصوصية، ومكافحة كل أشكال التغريب والاقتلاع.

لا يمكن الغوص في مقاربة الواقعية والاغتراب في الرواية الفلسطينية دون الوقوف عند مفاهيم تعد مدخلا أساسيا للموضوع. فما المقصود بالواقعية؟ وما المراد بالاغتراب؟ وماذا نقصد بالرواية الفلسطينية؟ أهي ما كتبه الفلسطينيون حتى وإن كان موضوعها بعيدا عن القضية أم هي كل رواية موضوعها القضية وإن كتبها غير الفلسطينيين؟ وَسْمُ الرواية بالفلسطينية أهو بحسب هوية الكاتب أم بحسب هوية المكتوب؟
1 - الواقعية كحركة فكرية واعية قامت على أنقاض الرومانسية كدعوة إلى فتح العيون على الواقع والتركيز على ما يجري هنا والآن عكس الرومانسية القائمة على الهروب من الواقع والحلم بقيم ومثل مطلقة يعسر تطبيقها على أرض الواقع، مع ذلك لم يحتدم الصراع بين الرومانسية والواقعية مثلما احتدم بين الرومانسية والكلاسيكية....
مع الواقعية بدأت تميل كفة السرد (قصة ورواية) على حساب كفة الشعر... كانت البداية في فرنسا مع فلوبير وبلزاك الذي جمع 150 قصة في الكوميديا البشرية.. وستتطور الواقعية بعد نجاح الثورة البلشفية كما تجلى في أعمال مكسيم غوركي وتولستوي ودوستويفسكي ...

يقود تحليل مضامين بعض القصص التي ألفت، داخل الوطن المحتل، عن الانتفاضة (القصد انتفاضة الحجارة) ، إلى امكانية الزعم بأن مؤلفيها، قد أدركوا عمق الصلة بين ممارسات السياسة الاضطهادية التي نهجها الاحتلال الاسرائيلي/ وما يزال، ضد العرب في الوطن المحتل، وبين حتمية انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية، وتحولها إلى ثورة شعبية شاملة، ضد نتائج تلك السياسة العدوانية، وضد الأساليب العنصرية الوحشية التي تنفذ بها... لقد أدركوا أن تلك الثورة العارمة كانت، بالدرجة الأولى، وليدة تراكم سلبيات تلك النتائج والأساليب، على مختلف صعد الحياة التي أكره الإنسان الفلسطيني على أن يحياها في ظل هيمنة استعمار استيطاني لا يرحم... "فالتراكم يولد الانفجار"، كما يقول القاص نبيل عودة، في قصته "الحاجز"‏
ففي هذه القصة القصيرة الرائعة التي تعدّ من بواكير النتاج الأدبي الذي استلهم أحداث الانتفاضة، حسبما يستدل من تاريخي كتابتها ونشرها(1) ، وأثناء جولان مؤلفها في العقل الباطن لبطلها -الطبيب الشاب أحمد، نلاحظ شروع الأديب الفلسطيني في تلك المحاولة التساؤلية الشاقة والمعقدة.. شروعه في رحلة البحث عن أسباب الثورة العارمة التي انتظر وشعبه ميلادها، منذ عشرين سنة.

بعد روايتها الأولى "ولي النعمة" الصادرة سنة 2018 أطلت الروائية سلمى مختار أمانة الله على عشاق الرواية العربية بعمل جديد اختارت له عنوان " عمر الغريب" وهي رواية صادرة عن المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 2022 في 273 صفحة. قبل أن نقف على بعض تجليات الغربة والاغتراب في الرواية، سنحاول أن نختزل أهم أحداث المتن الحكائي حتى يستطيع القارئ الإحاطة بما سنناقشه:

تفتتح الرواية والبطل عمر يرى نفسه ميتا (جسدا غارقا في بركة دم خاتر ...)[1] وروحه تتنصل من الجسد لتتحرر تلك الروح من كل القيود التي كانت تكبلها وينطلق لسانها من عقالها في تدفق سردي يحكي تفاصيل شخصية عاشت حياة معذبة بلغة شعرية: وجد عمر نفسه في وسط اجتماعي فقير معدم تنعدم فيه أبسط ظروف العيش الكريم، لا يعرف له أبا يعيش مع  أمّ جردتها قسوة الحياة من كل مشاعر الأمومة، ودفعتها إلى  التخلي عن فلذة كبدها  بعد أن أجلسته بباب مسجد وأمرته أن (لا تتحرك من هنا. أمرتني ومضت دون أن تكلف نفسها عناء الالتفات خلفها...)[2]. ظل مجمدا في مكانه  ينهشه الجوع والهلع، حتى إذا كادت أن تنقطع الحركة في الشارع العام بعد صلاة العشاء وجد نفسه محاطا ببعض مُصلين لفظهم المسجد، يفتشونه ليجدوا بحوزته رسالة كتب فيها (هذا الولد بصحة جيدة وبلا أهل خذوه لن يسأل عنه أحد)[3] .

احتفاءً بالمشروع الفكري للباحث والناقد الأكاديمي المغربي المبدع الدكتور محمد الداهي، واحتفالاً بتتويج كتابه “السارد وتوأم الروح. من التمثيل إلى الاصطناع” الفائز بجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب في دورتها السادسة عشرة، فرع الفنون والدراسات النقدية لعام 2022؛ أجرى البرنامج الإذاعي المغربي “بصيغة أخرى”- الذي يديره الشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت بإذاعة – حواراً حول سياق الكتاب ومحتوياته وآفاقه بمشاركة الباحثين الأكاديميين الدكتور سعيد يقطين، والدكتور إدريس الخضراوي، والدكتور يحيى عمارة.

وما حفزني على تفريغ الحوار هو جودة محتوياته وجدتها وطراوتها وملاءمتها، ورغبتي في تقاسم مع ذوي الاختصاص وجمهور واسع ليس بهدف تسليط مزيد من الأضواء على الكتاب المتوج في حد ذاته ( وإن كان هذا هو المسعى الأساس)، بل وضع الأدب في سياق ثقافي جديد بث الروح فيه من جديد، وجعله يتبوأ مكانة هامة في النقاشات العمومية باعتباره مصدرا للمعرفة، وشأنا ثقافيا عاما، ووسيلة للتنفس وتبني بدائل للعيش الكريم بعيدا عن الصخب الإيديولوجي.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة