1_jpgلم تكن الحركة الإسلامية في يوم غائبة عن المشهد السياسي في العالم العربي كما يدعي الكثير بأنها حركات وليدة لحظة تاريخية قريبة بعدما طفت على السطح الحركة العلمانية خلال القرن العشرين، ومع طفرة فكرة القومية كفاعل بنيوي أساسي في الفكر والحركة السياسية، ومع تصدر فكرة الاشتراكية في حقبة المد المادي للكتلة الشيوعية، وما رفد منها من مسالك متعددة لتكوين النظم، وما كان متجلياً بانعكاسه على الصراع الثنائي بين الشرق والغرب، و الظروف الدولية التي أنتجتها الحرب الباردة، وما تلاها من انهيار للمنظومة الاشتراكية أمام اتساع القناعة بالفكر الليبرالي.
يمكن القول أن المنطقة العربية شهدت على المستوى السياسي عاملا جاذبا لانعكاس ما يشهده العالم من تغيرات فكرية وسياسية واقتصادية، بدأت هذه القابلية للتأثر المباشر مع انهيار الإمبراطورية العثمانية آخر حالة تعترف بأنها خلافة إسلامية، وانكشفت أكثر مع مشروع سايكس_بيكو (1919) الذي أوجد "الدول" العربية القائمة الآن، كانت خلالها السياسية العربية سياسة قبلية، ملكية، ثيوقراطية، وكانت معها الظروف تسمح بوجود هذه الأنماط من الحكم السياسي نتيجة لعدم تبلور مشروع انعتاقي تقوده نخبة متنورة تدفع بالمجتمعات العربية نحو نماذج تحاكي ضرورات المستقبل وتحدياته، ومع عودة الغرب للاهتمام بالمنطقة أوجد دافع خارجي، فتظافر المخاض الداخلي العسير داخل المجتمعات العربية مع الأطماع الخارجية، رغم اختلاف توجهات وأهداف كلاهما، إلا أن نقطة الالتقاء كانت لدى الحركتين تتمحور حول حتمية التغير.

LAWيقول علماء المناهج إنه لمن الصعوبة بمكان أن يكون الباحث محايداً طالما أن هناك عوامل بيئية وجبرية تؤثر على طريقة تفكيره، ولذلك نجد أن إنصاف الغير المخالف لنا في الرأي عزيزٌ ونادر، ولكن مع هذه العقبات الكؤودة فيما يخص مسألة البحث الموضوعي فالواجب أن نسدد ونقارب آملاً في الإقتراب من الحقيقة، هذا مع علمنا بأن الحقيقة المطلقة أمرها لله وحده.
أقول قولي هذا، وفي ذهني الاعتراك السائد بيننا الآن فيما يخص مسألة السيادة، وهل تكون للشريعة الإسلامية وحدها، أم أنه لا بد أن يكون للأمة منها نصيب، واعتقد أن المعارك التي دارت في هذا الصدد جاءت جلها انتصاراً للذات وإبرازاً للعضلات وإظهاراً للفتوة الفكرية ، وكان التجرد والبحث عن الحق فيها قليل جداً، مع أن القضية موضوع النقاش ليست بالجديدة ،وإنما هي معادً من القول مكرورُ، فقد لاكتها الألسن واجترتها العقول وأشبعت تنظيراً ، بل بعض محاورها حكته لنا التجربة العملية على مدار سنين طويلة وبأساليب متباينة وفي أزمنة وأماكن مختلفة ، وحررت بشأنها شهادة مجانية لم تحتج لجهد مجتهد ، فما أظن أن ضوء الشمس يخفى إلا على من  به رمد.

zohir-alkawaldi1" ان الديمقراطية أكبر من أن تكون مجرد رخصة للاحتفاء بالاختلاف ، فهي نظام سياسي من الثقة المتبادلة والالتزامات الأخلاقية المشتركة"[1]
تكاد هذه السنة 2011 تنقضي وتحمل معها العديد من التقلبات والعواصف على الصعيد السياسي ، فبعد الثورة الشعبية التي غيرت العديد من الأنظمة العربية وأفضت الى انتصاب سياسي حزبي وحقوقي تعددي وبعد تنظيم انتخابات شفافة أصبحنا نرى بالعين الملموسة الآن تناقضا بين الاسلاميين والعلمانيين، وأول الدروس المستفادة هو تشكل قانون لعبة جديد في الصراع السياسي وبروز قوى اجتماعية كانت الى حد الأمس القريب مقصية من الحراك والمشاركة وانفلات للمكبوت من عقاله وتصاعد موجات التشنج والاقصاء المتبادل وتكاثر الاحتجاجات المطلبية والاضرابات والاعتصامات وحدوث أزمة في التصرف في الحرية وفي تصور المواطنة وسوء فهم لشروط الاندماج في الفضاء العام.
كما تشهد البورصات السياسية العربية أزمة خانقة تنبئ بإفلاس إجتماعي وشيك نتيجة هبوط حاد في مؤشر التيارات الحداثية وارتفاع مؤشر التيارات الدينية بسبب الإقبال الكبير عليها من قبل الشعب في الانتخابات ودخول المعسكر المقابل في صراع حامي الوطيس معها.

922151_3_04ccإن قضية الهجرة من المواضيع الجديرة بالاهتمام والدراسة الدقيقين، وذلك من حيث كونها أصبحت ظاهرة أشد استفحالا وحدة في ظل الراهــن. بالإضافة إلى ما تفرزه من إشكالات عميقة على مستوى مناحي متعددة بفعل زيادة معدلاتها وكثافتها، وحدة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة عنها، ما يبرز بأنها ظاهرة معقدة ومربكة بكل المقاييس من حيث تعدد دوافعها واختلاف أشكالها وارتباطاتها بإشكالات جمة وعميقة من قبيل إشكالية الهوية؛ والعنصرية؛ والاندماج والتهميش الاجتماعيين؛ والبطالة؛ والتجنيس؛ والتضخم السكاني، وغيرها من الإشكالات العويصة والمشوشة التي تنفرز عن هذه الظاهـرة (الهجرة).
هـذا، وإلى جانب صعوبة العمل على اقتراح حلول وتداعيات وتوصيات اجتماعية وسياسية واقتصادية بصفة شافية للحد من استفحال مشاكل هذه الظاهرة التي ترتبط بوضع الإنسان.

Abstract-001" على الانسان نفسه أن يمسك بيده القياد العام للإنسانية وعلى علمه بكل شيء أن يتيقظ كي يسهر منذ الآن على مصير الحضارة."[1]
انحرفت الثورة العربية عن مسارها السلمي الذي بدأت به وميزها عن سابقتها من الثورات وتحولت عنوة ودون ارادتها ونتيجة السياق القبلي والمذهبي الذي تفجرت فيه الى نوع من الكفاح المسلح ضد الأنظمة الحاكمة وانقسام داخل القوة المسيطرة نفسها والتقى فيها المطلب الشعبي باسقاط النظام وتوفير الشغل باستحقاق ورفع الاحتقار والتهميش بالنسبة لبعض الأقليات بمطالب بعض الدوائر الغربية بضرورة التغيير والتخلص من أنظمة متنطعة ومدرجة الى وقت قريب ضمن محو الشر والدول المارقة من وجهة نظر النظام الدولي.
ان المثير للعجب في الربيع الثوري هو سلمية الاحتجاجات الشعبية وتحضر التحركات في الشارع والتنظيم الذي تتبعه المسيرات والاعتصامات وان الذي يدعو الاحتراس والتخوف ويبعث عن الانشغال هو المنزع الحربي الذي انجرفت اليه وما يولد من لاتسامح وتصفية حسابات واسالة للدماء واهدار للأرواح وتشتت داخلي وانقسام سياسي حاد بين الفرقاء.
من المعلوم أن الثوار ينتمون الى عموم الناس وأن النخب المثقفة لم تكن فاعلة وريادية وانما التحقت بالثورة بعد حين وكان تواجدها محتشم في بعض الأحيان بالرغم من أن الثقافة الثورية كانت السلاح الذي استنجد به الشعب من أجل ارادة الحياة والتخلص من الطغاة والفساد. ولكن المثقف العربي ظل يتأرجح بين موقفين لم يقدر على حسم أموره بينهما، الموقف الأول هو مناصرة الثورة وبالتالي تأكيد الانتماء الى الأمة والتجذر في الشعب ومعاداة السلطة القائمة واسقاط الشرعية عنها بحكم فسادها ولاديمقراطيتها وترهلها.

Syria-revolutionكان لابد للشعب السوري أن ينتفض ضد الفساد والطغيان والاستبداد والتخلف الذي كرسه نظام البعث. وكان لابد لهذا الشعب أن يسقط قناع المقاومة والقومية الذي استطاع هذا النظام أن يتقنع به لعقود كي يبقى على رأس السلطة ويطبق على شعب الشام العظيم الذي قدم الكثير من أجل إعلاء كلمة الحق والدفاع عن الأمة منذ ظهور الدولة العربية الإسلامية التي عمرت لقرون عديدة .
لقد سقط قناع المقاومة مباشرة عن هذا النظام عندما استباح دماء شعبه وأهدر أول قطرة دم زكية من الشعب السوري. سقط قناع المقاومة عندما وجه بندقية الجيش العربي السوري لحمايته لا لحماية الديار والأهل والوطن. سقط قناع المقاومة عندما ذبح الأطفال والنساء والعجائز بينما الجولان يحتله الصهاينة ويعيثون فيه فسادا منذ عقود من الزمن ولم يحرك ساكنا. بل سقط قناع المقاومة عن حلفائه الآخرين في إيران ولبنان عندما ساندوه في قتل الشعب السوري وأصبح خطابهم عن هذه المقاومة غريبا ووراءه ما وراءه، خاصة وأننا لا نرى هذه المقاومة إلا في المحطات الانتخابية والسياسية الكبرى في لبنان وإيران أو في القدس المحتلة نفسها .

MAROC20في الوقت الراهن لا يجب التفكير خارج السياق الذي يشهده الوطن العربي برمته، فرغم أن الثورات أعادت رسم معالم الخريطة السياسية على أساس الطابع الاحتجاجي فان مقومات هذا التفكير يجب أن تنساق إلى كيفية إيجاد المشروعية التي ستحدد حدود هذه الخريطة، وتتمثل في إعادة ربط العلاقة بين الشارع وبين السلطة السياسية، إلا أن هذا الشارع لا يمكنه تحقيق مآربه إذا لم يضع ثقته في احد الأحزاب أو المؤسسات أو سلطته الحاكمة بمنحها مشروعيته. لكن ما الذي يعيق منح هذه المشروعية ؟

يشكل الجانب السوسيو-اقتصادي في المغرب أحد العوامل التي تساهم في تباعد السلطة السياسية عن محكوميها، حيث يشمل غياب هذه السلطة ومعها القوى السياسية عن ما هو اجتماعي-اقتصادي وانشغالها بما هو ديني -اعتقادي يضمن لها استمراريتها التحكمية. وتنحصر ممارساتها في الشأن الديني على حساب الخـَصاص الديني، ففي الوقت الذي خاض المغرب تجارب لنظم الحكم منها الإسلام الشعبي (الصوفي) والإسلام الشرعي (السلفي) ومدى التصارع بين هذين التياران المتباعدين حاول بعدها أن يؤسس لنظام يوازن في تصورات الفكر الديني كل الفئات، لكنه في نفس الوقت لم ينجح إلا في الانفراد بالدين كأحد تمظهرات نظام الحكم لا يحق لغيره التزايد على أحقيته أو عن تمثيليته. كلفه هذا بطبيعة الحال جهدا كثيفا لمحاولة خلق هذه التوازنات بدعم مجالات انتشاره (وتحت إشرافه، وبتكريس الطابع الرسمي على الممارسات الدينية (وزارة الأوقاف، المجالس العلمية، الندوات والبرامج الإعلامية،...).

anfasseالمواطنة مفهوم غربي المنشأ، تعكس جذوره التطور التاريخي والاجتماعي الغربي. وقد اكتسب هذا المفهوم معان مختلفة نظرا لارتباطه بتطور الجماعة السياسية في الغرب والتشكيلات الاجتماعية داخلها، بدءا من مجتمع " المدينة " اليونانية. ولهذا يعتبر الفكر الليبرالي الغربي من أكثر الاتجاهات إسهاما وإثراء في دراسة مفهوم المواطنة ( 1).
ينظر إلى المواطنة على أنها نسق من الحقوق المضمونة دستوريا، بمعنى أنها علاقة قانونية بين الفرد والدولة تقوم على مجموعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ينبغي للدولة أن تضمنها للمواطنين جميعا على قدم المساواة، يقابل هذه الالتزامات واجبات يجب على المواطنين الوفاء بها.
هكذا، كما تعني المواطنة ضمان الحقوق، فهي تعني أيضا الالتزام بالواجبات تجاه الوطن. فالمواطنة هي أساس عملية الاندماج الوطني، وتمثل حجر الزاوية في الدولة الوطنية الحديثة التي تشكل الإطار القانوني والسياسي الذي تمارس فيه حقوق المواطنة وواجباتها.