انفاسالسيجارة , السيجارة هي أوَّل شاهدٍ على مشاكساتي في هذه الدنيا وأوَّل شاهدٍ على خيباتي من هذه الدنيا ! ومصدرٌ مهمٌّ من مصادر إفلاسي شبه الدائم , أدخِّنُها وتدخِّنني منذ أكثر من ثلاثين عاماً , منذ أن كنتُ في السادسة عشر حيث كُنّا نحن التلاميذ نقفز من سياج المدرسة ونشترك في تدخين سيجارةٍ ونحن نرتجف خوفاً ! بعد أن يكون أحدنا قد اشتراها من دكّانٍ بالمفرد ولا أتذكَّر أني تركتُها يوماً او أفكِّر بتركِها , صحيحٌ أني تركتُها لمدة يومين وكان ذلك قبل عشرين عاماً او يزيد , والسبب إلتهابٌ في الرئة سرعانَ ما زال , وكذلك أستثني فترات السجن المتقطِّعة في العراق لأنَّ ترك التدخين فيها لم يكن اختياراً , وللسيجارة عندي طقسٌ خاصٌّ فبرغم أني ألجأ اليها في السرَّاء والضرّاء إلاّ أنني وانا من عشّاق القهوة ومدمني الشاي وأتناول الخمر لا أستطيع تناول القهوة او الشاي او الخمر إلاَّ بعد تأكُّدي من توفُّر السيجارة , المسألة لا علاقة لها بالإدمان او التعودُّ بقدر ما هي أُلفةٌ تحوَّلتْ الى صداقةٍ فَحُبٍّ ثُمَّ اذا بها تتحوَّل الى اتِّحادٍ صوفيٍّ !

أنفاسمن مذكرات طفل حزين:
كانت جدتي تنبهني في حنق كلما غادرنا القرية باتجاه الجبل بعدم التحديق في نوافذ بيت نبت فجأة وسط حقول الكروم، بدعوى أن به ساحرة ، سلبت ألباب الثقاة وحولتهم الى فراشات تتلذذ باحتراقها كلما جن الليل .
لكن جدي أجابني مبتسما لما سألته بعد إلحاح كبير بكون السر يكمن في عنب كرومها الضاجة بالحياة ، وسحر لهيب البيت المليء بالعصافير المغردة ،التي تنسيه قرف حكايات جدتي ، وقبح فزعات القرية الرهيبة.
تخريف :
وهو جالس أمام صينية شاي بديعة ، أحجم عن صب ولو كأس واحدة ، دون الحديث عن قضيته البالغة الأهمية التي استدعى ضيفه من أجلها . فكان يضع شخصه الكريم في صلب الأحداث  يشذب ببراعة بستاني كثيرا من الحكايات يحورها يمطط بعضها حتى تصير مرصعة ببهيج القول وأحسنه ، فجأة نظر في عيني جدتي الصامتة وثارت ثائرته ، وكأنها تدخلت لتعديل مسار فكرته الطائشة ، ثم نظر إلي وأنا مطرق رأسي في سهو فنهرني بشدة على استهتاري وقلة أدبي ، وأخيرا التفت إلى ضيفه الكريم مستأنفا حديثه ببرودة أعصاب متصنعة ، ناسجا كالعنكبوت خيوطه حول موضوع آخر ..

أنفاسلحظة أن هـَوَى الهوى           
رُغم فجيعتها بخيانتهِ لها مع عشيقتهِ على تـَختِها المُقدّس، بَددت كل تضرّعاتها المشبوبة ولم تتمكن من ثـنـْي عزمه الصارم على القطيعة الأبدية. وفي لحظة قنوط هستيرية، قذفت بجسدها المخذول دون تردد من شرفة الطابـــق الثامن. وجاء القدر متحيناً الفرصة للانقضاض في تلك اللحظة المدونة منذ الأزل في سِفر افتراقهما ليتزامن سقوطها مع اللحظة التي كان الزوج يـُبارح فيها المبنى، فهَوَت عليه مع جبال هواجسها المميتة، لتذرف بعدها على جسده المسجى عَبرات الوداع. 
لحظة تمرد
أحبت عنزتها التي تحاور معها جلّ وقتها الميّت بصبرٍ مزمن في ذلك القصر الريفي النائي في غياب زوجها ذي الطباع العاصفة وحضور حماتها المستبدة. هزأ بِها زوجها المغرور وهي تـُدثر المعزى بأغطية صوفية وقال لها: بات الشك يُساورني في قربى العنزة إليكِ !

أنفاسانعطف (حسن الكيراني) بكل ثقله إلى اليمين .. دلف الحانة غير متهيب ولا متردد ...أزاح الستار المتشابك بكلتي يديه .. مسح فضاء  الحانة  بنظرة  سريعة ... المكان يعج دخانا ولغطا .. الدخان يتكاثف .. .بتصاعد... يشكل دائرة حلزونية ..  دون أن  يجد منفذا  للتلاشي  والتبخر..  بعض السكارى  يتحشرجون  ويختنقون ... دون مبالاة .....
لولا الرغبة الدفينة لولى مدبرا غير معقب ..
 ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..  نقر نصف البيت الشعري في باطنه ...
رمق في أقصى ركن الحانة ، طاعنا في السن... يكاد يكون من الغابرين...
أثارت انتباهه ارتعاشة  يديه ، وتعرقهما البارز.. كما شدت ناظريه تجاعيده الأخدودية ، الأشبه بالحفريات المسطرة في الصخر الجلمود ..
رشف الطاعن في السن رشفة أحدثت قرقعة في الحلقوم .. ثم مز شفتيه  ، كأنما يتلذذ طعم الموت...

أنفاسقرابين
أذكر جيدا قصة حبي الأول: كيف تخليت عن نفسي للحلول في الحبيبة، وكيف قدمت نفسي قربانا للحبيبة، وكيف صارت الحبيبة مع توالي الأيام ترى القربان واجبا يوميا عليَّ تقديمُه.
أتذكر جيدا قصة حبي الأول لأن فشلها عجل بدخولي عالم الدين الذي انتشلني من الانتحار والإدمان والاكتئاب والانهيار الشامل.
في الدين نضجت وتغيرت عاداتي وزوايا نظري للأمور. فعوض أن أقدم نفسي قربانا لغيري، صرت أقدم الحيوانات والطيور قرابينَ بديلةً وأنتظر المغفرة والهداية والعفو والصفح.
لكن النضج الأكبر الذي ينشده كل إنسان يعرف من جهة أولى مصلحته ويعي من جهة أخرى كيفية سير الأمور حدث لي حين انخرطت في سلك السياسة.

أنفاس( أ )
أبو النمرس مدينة باردة .
لا ينفك مرعي يردد هذه المقولة لنفسه كلما زادت إرتجافته .
أبو النمرس بالنسبة له مجرد مكان يصله الأتوبيس بالعاصمة . قصدها في الربيع الماضي . كانت رياح الخامسين تواصل هبوبها ، وكان هو مهدودًا فغفا . عند المحطة الأخيرة . أيقظه المحصل :
إصح .. إصح يا أخ وصلنا آخر الخط .
نظر - عبر زجاج الأتوبيس - إلى المكان الجديد . رأى طفلاً يحملق فيه . الطفل من خارج الأتوبيس . يرى الأنف الضاغط على الزجاج مجدوعًا فيضحك . يغادر مرعي الأتوبيس إلى أرض لم يطأها من قبل . يسير على غير هدى بينما رياح الخماسين تلفحه ، وفي أذنه صوت المحصل يذكره بالوصول إلى نهاية الخط .

أنفاسقالت ميري لزوجها إدوارد بعد أن أتمـّت تنظيف القطعة التي بين يديها:
- نقـّبنا في الكثير من مواقع العراق الأثرية فلم أجد أغرب من هذه السكـّين.
ناولتها اليه وهي تمسّد النصل بحذر شديد . فأجاب وهو يتفحص باهتمام بالغ مقبضها الذهبي :
- هي متقنة الصنع وبيد حاذقة، وتبدو لي ليست من صناعة محلية، وأرى رقماَ قد نقش عليها هو 443 هـ*.لكن يا للعجب، كيف لم يصدأ نصلها؟! هي سكيّن غامضة ومليئة بالأسرار!!..
- إنه لأمر غريب حقاً ..هل كانوا في تلك الحقبة يستعملون مواداً تمنع صدأ المعادن ؟! ..سأرى أمرها لاحقاً..
واندهشت ميري من أن صور السكين هي الوحيدة التي لم تظهر عندما أظهرت الفيلم الفوتوغرافي..

ِأنفاسإلَى غَزَّةَ الحُرَّة الْجَرِيحَة،
َلسْنَا طُيُورَ بطْرِيقٍ مُثْقَلٍ بِالفرَاءِ
ولكننا فصائل أخْرَى من طيور أخرى
 تنتظر اكتمال ريشها
 لِتُحَلّقَ إلى جانبك.

قال الأول:
- عندما تنتبه إلى  كونك  لم تعد بحاجة إلى حزام لسروالك، فاعلم آنئذ بأن البدانة قد أصابتك وأن السمنة قد بدأتك من الوسط، فانظر حينئذ ما أنت فاعل...
وقال الثاني:
- عندما تنحني لِرَبْطِ خيوط حذائك فتواجه صعوبة جديدة في الوصول إلى أقدامك، فتلك علامة حاثة عهدك بالبدانة. لقد  صرت عندئذ "بدينا"  وَحَلَّ على المقربين من أقاربك تلقيبَك "بطينا"...

مفضلات الشهر من القصص القصيرة