أنفاسقالت ميري لزوجها إدوارد بعد أن أتمـّت تنظيف القطعة التي بين يديها:
- نقـّبنا في الكثير من مواقع العراق الأثرية فلم أجد أغرب من هذه السكـّين.
ناولتها اليه وهي تمسّد النصل بحذر شديد . فأجاب وهو يتفحص باهتمام بالغ مقبضها الذهبي :
- هي متقنة الصنع وبيد حاذقة، وتبدو لي ليست من صناعة محلية، وأرى رقماَ قد نقش عليها هو 443 هـ*.لكن يا للعجب، كيف لم يصدأ نصلها؟! هي سكيّن غامضة ومليئة بالأسرار!!..
- إنه لأمر غريب حقاً ..هل كانوا في تلك الحقبة يستعملون مواداً تمنع صدأ المعادن ؟! ..سأرى أمرها لاحقاً..
واندهشت ميري من أن صور السكين هي الوحيدة التي لم تظهر عندما أظهرت الفيلم الفوتوغرافي..

ِأنفاسإلَى غَزَّةَ الحُرَّة الْجَرِيحَة،
َلسْنَا طُيُورَ بطْرِيقٍ مُثْقَلٍ بِالفرَاءِ
ولكننا فصائل أخْرَى من طيور أخرى
 تنتظر اكتمال ريشها
 لِتُحَلّقَ إلى جانبك.

قال الأول:
- عندما تنتبه إلى  كونك  لم تعد بحاجة إلى حزام لسروالك، فاعلم آنئذ بأن البدانة قد أصابتك وأن السمنة قد بدأتك من الوسط، فانظر حينئذ ما أنت فاعل...
وقال الثاني:
- عندما تنحني لِرَبْطِ خيوط حذائك فتواجه صعوبة جديدة في الوصول إلى أقدامك، فتلك علامة حاثة عهدك بالبدانة. لقد  صرت عندئذ "بدينا"  وَحَلَّ على المقربين من أقاربك تلقيبَك "بطينا"...

أنفاسرن الجرس رنينا مفزعا، حينما ضغط عليه  "محسن"ْ  بكل قواه.. ففتح الباب حتى رن مزلاجه ..  حملق بعينيه في الكائن الفاتح .. شعاع سماوي هابط من أعلى .. فتاة يكاد ينطق الحسن  في سائر كيانها .. رن شيء ما في  صدره... قالت بنبرة بها رنة حادة : ما هذا الرنين المزعج ؟  ألا تحترم الناس ؟؟  صوته  خرج مِن فيه كرنين إناء صدئ حينما رد ...قال وهو لا يعي  ما يقول .. إذ الكلمات خرجت مبعثرة ، مقلوبة ، مبهمة .. أثارت حفيظة  الكائن السماوي الواقف...قال برنين خافت  : أخخو..ك.. فففي .. قاسم.. موجود....موعععد .. الدددار ... صفقتِ الباب في وجهه .. تراجع من هول الصدمة..
رن شيء ما في خاطره المنكسر :  يا رب  السموات .. لماذا خانتني الجرأة  في مثل هذا الموقف!! تبا لهذه التأتأة ... !! تبا لها ..!! ألا تنبجس الملعونة  إلا في مثل هذه اللحظات !! سحقا لها سحقا  ...!! هو خطيب مفوه في بعض المواقف ..
والآن ماباله .... !!
رن صوت الفتاة  بالداخل ..وهي تغالب دمعا يكاد ينزلق  :  الكلب .. الملعون .. من تظن نفسك ؟؟ اتفوا عليك وعلى أمثالك....

أنفاسكأنّ السماء أطبقت على الأرض فتعانقتا ، وما عادت الدنيا تتنفس إلا صدى قبلاتهما  الذي يجهل الذبول  ،ولكن هي ... كان الطريق بالنسبة لها شيئاً آخر ،إنها  دائمة البحث عما يشغلها  ، غائبة في عالمها  الملائكي ، هكذا باتت ومنذ ذلك المساء الذي غاب فيه عنها  .
إنغرزت قدماها في الأرض الرخوة تحتها ، إذ  تناهى إليها من  بعيد لغط ، وأصوات متداخلة  ، وضَوء عربة انحرفت عن الشارع العام ، ثم عادت  من جديد إلى الشارع  ، ذهلت ، فحبكت ملابسها جيداً حول جيدها  الوجل ،  وقرفصت للحظات  يقيدها  شعور غريب  ربما  ، لكنها  أفاقت  وهي تتمتم  : أنا بخير حقا أنا بخير،  ثم ركضت باتجاه المكان  بكل قوتها ، كان ممدداً ووجهه إلى الأرض ، دعت الله بكل ما فيها من رجاء أن يكون حياً ، أحاطته بذراعيها  ، وبعد جهد أجلسته على الأرض  ، وأسندته إلى حضنها ،  تفحصت جسده الشاب  ، وملابسه الممزقة ، لم يكن هناك ما يشي بخطر ما ، لكنها عندما  أدخلت كفها تحت قميصه ، على موضع القلب بالذات  ،  خفق قلبها بعنف ،  كالعادة شيء  حار دبِق يتقاطر وئيداً من هناك
- يا الله إنه ينزف  ،

أنفاسضبطْتها..تلك المتكبرة التى تستكثر حتى الرد على أسئلتي المنهكة..اعتقدت لفترة طويلة أنها مصابة بالخرس أو الصمم..كنت أنظر إلى عينيها أتلمس إجابة...تفاعلاً..لكن هيهات.. لمحتها في بعض اللحظات ترمينى بنظرات خفية أقتنصها لأؤكد لي أنها تراني وتشعر بي..لكنى ما ألبث أشكك فيها وألقيها فى مهملات الظنون...اليوم رأيتها منتحية بأوراقها جانباً تكتب..تمنيت أن أطل على أوراقها وأن أنفذ إلى حروفها لأعرف فيم تفكر..لكني خفت الاقتراب ..كأن شيئاً خفياً يمنعني عن الدخول إلى عالمها..راقبتها حتى انتهت..طوت الأوراق وذهبت تدور فى حلقاتها المفرغة التي تنفصل فيها عن كل شيء إلا روتينها اليومي...أحياناً أشعر أنها تترك عقلها تحت وسادتها قبل أن تستسلم لجرار حياتها وتتركه يحملها من مكان إلى مكان..وأحياناً أخرى أراها فقدت القدرة على أى مقاومة لميكانيكية عمرها..فقط لو تترك لي فرصة أناقشها..أحاورها..ربما استطعت أن أساعدها..لكن ترفعها المقصود أو غير المقصود يبنى بيننا حواجز غير مرئية لا أستطيع عبورها...

أنفاسحمل الفنان التشكيلي الشاب لوحته ، بعد أن لفـَّها بعناية في ورق ملوَّن وصقيل..وتوجه بها إلى مقر اللجنة المنظمة والمشرفة على المسابقة..وانتابه شعور هو مزيج من الرهبة والثقة بالنفس..كان يعلم أن لعبة المسابقات لا تحكمها قوانين مضبوطة ولا تخضع لمعايير دقيقة ..وأن اللجنة بأعضائها الذين تتفاوت مستوياتهم وتختلف أهواؤهم ومشاربهم ، لا يمكنها أن تـُجمع على تعيين العمل الفائـز إلا بعد مداولات وتنازلات من بعض أطرافها لحساب الأكثر نفوذا وتأثيرا ، والذي هو في الغالب رئيسها..
سلمهم اللوحة الملفوفة والتي اشترطوا خلوها من أي توقيع أو علامة قد تدل على صاحبها ، طبقا لقواعد المسابقة..طلبوا اسمه ورقم هاتفه والعنوان الذي اختاره للوحته..ثم انصرف إلى حال سبيله بعد أن ألقى نظرة أخيرة على إبداعه الملفوف وكأنه يشيعه إلى مثواه الأخير..

أنفاس قبالة المرآة ,بصق على الوجه الآخر دامع العينين مستجيرا :” ملعونة تلك (الداية ) التي أخرجتك من رحم أرنبة شهوانية .. سحبتك من رأسك الفارغ , قدميك المهتزتين , يديك المرتعشتين..؟”
جمع قبضته , ولكــمـــهُ ..
خيوط دماءٍ تسيل , نجوم , دوار .
دخـل في غيبوبة النسيان ..
تناثرت شظايا المرآة , تبعثر الوجه .. أصبح وجوها ….!!
الوجه الأول :
جُموحٌ , تمردٌ , إندفاع يسكن ذلك الجسد النحيل الباحث عن شهوة إنتقام أعمى , يجلس على كرسي القلق , ينام على فراش الأرق , يجمعُ , يطرحُ , يضربُ أخماسا في أسداسٍ , يرسم دروب الأذى , يحفر في كل يومٍ فخا وكمينا , يصطادُ ضحيتهُ … ويبتسمْ.

أنفاسعلى الطرف الآخر، كان يجلس قبالة ذاك الوادي ومنظر غروب الشمس يلامس غروب كل شعور بداخله...
أخذ نفساً عميقاً من لفافة تبغه العشرين، ونظر في الأفق البعيد قبل أن ينفث دوائره باتجاه منظر الغروب، ونارجيلة أمامه، يلجأ إليها كلما ملّ من لفافات التبغ...
تعساً أخذ يحدّث نفسه:
كنتُ أهواكِ ألف مرة، وكنتِ كلما اقتربتُ لأهواكِ تجلديني ألف مرة...
لماذا مكتوب على بعض الرجال أن ينصاعوا لأنوثة زوجاتهم، وهنّ لا تعني رجولة أزواجهنّ لديهنّ شيء؟؟!!
عشرون سنة مرت معكِ، وأنتِ أنتِ لم يتغير شيء فيكِ
رجولتي التي رضخت بكاملها لكِ، لم تراعها يوماً ولم تفها حقها...