أنفاسأمام بوابة القانون يقف حاجب. عند ذلك الحاجب جاء رجل من الريف يطلب المثول أمام القانون . لكن الحاجب قال له أنه لا يمكن أن يأذن له بالدخول في هذا الوقت. فكر الرجل في الأمر ثم استفسر إن كان سيأذن له لاحقاً.
" من الجائز" أجاب الحاجب " ولكن ليس الآن".
 ولما  كانت البوابة، كالعادة، مشّرعةًً والحاجب يجلس على جانب من جانبي البوابة فإن الرّجل كان ينحني ويحدق من خلال البوابه نحو الداخل. ملاحظاً ذلك، قال الحاجب وهو يضحك : إذا كنت مشَوَّقاً هكذا فإن عليك محاولة الدخول بالرغم من اعتراضي ولكن تذكر أنني ذو قوة باطشة. واعلم أنني لست إلاّ أضأل الحجاب فمن ردهة لأخرى يوجد حاجب وراء آخر، والحاجب الثالث من الفظاعة بمكان لدرجة أنه لايمكنني أنا تحمل النظر إليه.
هذه مشاق لم يكن الريفي قد تَحَسًّب لها فهو يعتقد أن القانون، يقيناً، مكفول الوصول إليه من الجميع وفي كل الأوقات. ولكنه الآن، وبعد نظرة فاحصة على الحاجب، في سترته المصنوعة من الفرو وأنفه الكبييرة الحادة ولحيته التتريه النحيفة الطويلة، جعلته يُقِرّ أنه من المستحسن الإنتظار حتى يؤذن له بالدخول.

أنفاسفي مرة كنت ذاهبا إلى عملي، دهشت لمّا رأيت شابا مبتور القدمين عند الركبتين، وكان الصباح لا يزال طازجا لم يفسد رونقه وهج الشمس الذاهب إلى سخونة ما زالت في طور الدفء، ولم يعكر نقاءه زحمة صغيرة تحاول جاهدة أن تكبر ببطء، وعقارب الساعة لا تزال تكاتها تؤكد أنها لم تتجاوز السابعة وعشر دقائق على وجه التحديد. حينئذ سألت نفسي ما الذي يدفع شابا كهذا إلى الخروج في مثل هذا الوقت؟ وما الذي يمكن أن يفعله لنفسه أو للآخرين؟
ولفت انتباهي كثيرا، وأثار استغرابي أيضا قميصه المكوي بدقة عالية يعجز عنها أولئك الذين يمشون ويدبون على قدمين، ونظافته المبهرة، حتى ظننته اشترى القميص لتوه.. وكانت تنبث منه رائحة عطر تجذب إليها بشدة كل أنواع الأنوف، الرجالية منها والنسائية.. وتشبه رائحته تلك التي تهب من الأزهار وتفوح في غرة كل ربيع جديد.. وشعر رأسه مغرق في سواد براق ومصفوف بأناقة كبيرة ترتاح لمرآها العيون، بما يناسب أناقة ربطة عنق لونها احمر وتظهر أملس من خد العروسة، وطويلة تبدو وهي بأبهة تجتاز كل المسافة من رقبته هابطة إلى أسفل حجره حيث يتكوم طرفها ويستقر.

أنفاسغاب أصيص الرياحين  من شرفة الزمن وباتت ألوان الأصيل باهتة واصفرت أوراقها وذبلت. الخريف الآخر حل  ورغم كل الشجن، سأنال حريتي: سأعيش حرا طليقا مثل النوارس .
قالها الحفيد بصوت أجم ثم رددها حينما انتصب واقفا فوق قمة الهضبة، فاتحا ذراعيه، شانفا إلى أفق الأصيل قبل أن ينحدر مسرعا، متراقصا مع ارتفاع الهضبة، يعاند ظله الذي ارتسم على أديم الأرض  دون أن يلتفت إلى جده  الذي مكث فوق ارتفاعها لساعات طوال.
فاضت نفس الحفيد بالأمل، وبدت سفينة عمره ناصبة أشرعة النور فمضى مترنما بأماني الحرية، وانطلق يعدو كغزال  مع انحدار الهضبة المتموج .
رنا الجد إلى حفيده  وابتسم ابتسامة شاحبة،  ارتسمت على شفتيه المنتفضتين:
"أتغادر وتتركني بعدما لم يعد لي أمل غيرك؟ "
قالها الجد متمتما  ففاضت ذكريات العمر  في ذاكرته الشائخة  وعادت أحلام الأحزان أطيافا تحوم من جديد  في سماء حياته:
- "مضى الآخرون يا ولدي ، وكانوا أزهارا في عمرك  منذ ذلك الزمان  ولم يعودوا . وأنت الآن تريد أن تحدو حدوهم ، أن تفتق التحام الجرح . ذاك الجرح الذي لم يلتئم بعد  في زمن شاخت فيه ذاكرتي  ولم يعد ينشطها غير صورتك البهية  وصوتك الشجي".

أنفاسهزتها الأهزوجة الفلكلورية العتيقة  فانسابت هديلاً  مع نزول صديقتها عن هودجها , سارعت ترفع أكمامها البيضاء مع بقية الوصيفات حين ترجل العريس عن ظهر الجواد وتأبط ذراع عروسه فأطلقت زغرودة بُللت بالندى فضحت ما تراكم من عاطفة تنازعتها الأمنيات وصبغتها الساعة الرملية بلون القلق .....,

وضعت الترانيم زهورها في يدها فمضت تشد الفرح الواجف في كفِ القلق إلى سدرة اللحظة , وانداحت  تتمايل بعذوبة فوق أشلاء خمس وثلاثين سنة تسلقت لحاءها شوكاً عراها شجو الربابة وأسئلة الفصول المختبئة في الأصداف ......,

مدت يدها مرة أخرى لترفع عرائش العروس فنهرتها والدة صديقتها خشية الحسد , تسمرت مكانها بعد أن أرخت يدها على وقع الإهانة  , دارت طواحين هوائها حين هبت الرياح من كل العيون الذابلة  لتذكرها بأنها وصيفة غير مرغوبٍ فيها , وبين النظرات المبهمة والحاجة للمسة يد إنحنت مع قوس كمانٍ هائلٍ بين ضلوعها فأخذ عمرها الشاحب يحصي أرقامه دمعاً .....,

أنفاسصداقة:
دخلت بيتنا منكمشة، تشكو غدر الزمان:
- صدر البيت لك ِ..!
لاذت بدفء القلوب، جففت الدمع، خلعت رداء الخجل، مددت ذراعيها  عبر الغرف..
ووجدتني أجلس على العتبة.

الحوت:
سار نحو المركز مختالا بين صفوف المهنئين، يتوكأ على التهليل والتصفيق..
شارك الجياع الرغيف، أفرغ ما تبقى في الجيوب.
غازات تخمته أزكمت الأنوف، وأصابته ببلادة الإحساس.

أنفاسدفعت الباب بقوة ، ووقفت عند المدخل ، ‏تتفحص الجالس وراء المكتب ، بعينين تقدحان ‏شرراً. خُيّل إليه، أنها جاءت للقبض عليه، غير ‏مصدق أنها ستقابله يوماً بهذا الأسلوب.فقد اعتادها، ‏تحمرّ خجلاً عندما تكلمه، أو يكلمها، ونادراً ما كانت ‏ترفع عينيها به .‏
احتبست أنفاسه ، وسيطر بصعوبة على ‏عاصفة غضب ، تفجرت  بداخله دفعة واحدة . ‏
رفعت يدها عن مقبض الباب ، دخلت ولم تلق ‏عليه السلام،  وجلست على الكنبة  الأقرب إلى ‏الباب، ينتفض جسدها غضباً .‏
‏ أدرك أنها في ورطة ،  ولا شك ورطة كبيرة، ‏دفعتها عنوة إلى زيارة مكتبه للمرة الأولى، ومقابلته  ‏بهذا الأسلوب  الفج.‏ ‏
‏ تبادلا نظرات حائرة  ، استفاق قليلاً  من هول ‏المفاجأة  وسألها : ‏
‏- هل تشربين شاياً ؟ .‏
‏- من قال لك أنني جئت  لشرب الشاي  ..‏
‏- قهوة ، بارد  ، عصير ، زهورات ...‏
‏- وهل تظن أن المصيبة التي أنا فيها ، تسمح ‏لي بشرب شيء مما ذكرت ؟.

أنفاسكنتَ جالسا هناك، ربما أمام مكتبك تتطلع إلى شاشة الحاسوب ببعض الفتور، تضع شبشبا ليدفئ قدميك، وبين حين وحين تمسد شعرك، تتناول شرابك وتفتح نافذة وأخرى، حين رقنت الكلمتين دون خطأ إملائي ودون نقطة نهاية..
وكنتُ حينها أسترق السمع إلى ضوضاء قلبي الغير المعتادة. وكان هو يسترق السمع إليك فلا يصله إلا الصمت. لا أذكر أي ليلة كانت تلك الليلة، فأنا أتجاهل منذ ابتعدتَ كل الأجندات.. لست معنية جدا بعدّ الأيام التي تبعدني عنك.
حاولت أن أعتبر انفصالنا حدثا عابرا. ابتسمت قدر ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وحين جافاني النوم وضعت اللوم على حالة الطقس أو فنجان القهوة الذي شربته عصرا.
لم أتصل بك مرة أخرى، فقد أضربت أصابعي عن تركيب الرقم إذ تجاهلتَ مجهودها وأناقتها وهي تنتقل بخفة على لوحة الهاتف لتركبه.
إذاً رقنتَ الكلمتين بيقين مطلق وببرود تام.
ربما تناولت كأسا بعدها ثم استسلمت لحلم سعيد. ربما تناولت هاتفك وركبت رقم امرأة أخرى..

أنفاسقصدت نزلا لتقضي ليلتها الأولى وحيدة,بعيدة عنهم جميعا.كانت الدموع تسيح من مقلتيها انهارا تتدفق  سيولا لتسقي بساتين خذيها  القاحلة.هالة زرقاء تحيط بألحاظها لتجعل منها كائنا تعتوره كل ضروب الألم الإنساني الفجيع.وجه حنون يشع بضياء قناديل الماضي الالق,يشي بمسحة حب غدرها الزمان والصقها نقطة  تائهة معلقة في الفراغ السديمي.يحاول نواس بندول أن يصل ساعات أيامها ولياليها كي يهز أرجاءها  بصخب رنين صاعق:لقد آن الأوان أن تستفيقي أيتها الغافلة... فما عاد الزمن في صالحك لتنتظري الأمل.تحركي صوب مصيرك ملئ إرادتك,رافعة راسك نحو الأعلى,بابتسامة عذبة نحو الماضي,فهناك في الأعالي وطنك المغترب ينتظرك مشرعا أراضيه ليحضنك حضن العاشقة التي  تركت  في يوم من الأيام ذكرياتها واكتفت بتلويحة من منديلها المضرج  بقطرات من دم الحيض الموعود ...  
كانت حياتها رتابة قاتلة تنتظر بفارغ الصبر منطقا يغير مسارها,ينعطف بها إلى سياقات مجهولة,يحكمها إحساس غامض بالتوتر,وغموض في اتجاه المسار وتيه في تساؤلات مؤرقة.كنت دائما أتسلل خلسة إلى منزلها لما يغادر زوجها البيت.كانت تنتظرني بأحر من الجمر,خلف الباب كانت تربض في انتظاري لساعات طوال.وقع خطواتي وأنا اصعد الدرج نحوها,يخلق منها شيطانة تحترق رغبة تودي بنا ونحن نتعانق إلى اشتعال حميمي يتوج بقبلات غادرة,تقضم العرف والأخلاق من أساسهما...

مفضلات الشهر من القصص القصيرة