كطفلة هاربة من الحكايا
نهرت تنهيدة
حب في صدرها
حولتها أشلاءا ضائعة
ينهشها الحنين
طفلة بلا قدر
جعلتها تسّاقط
كقطع بلورات ثلج
أذابها لهيب غدرك
كنت ملاذها
كنت  معبد صلاتها

زَمنٌ للرّحيلِ لِاسْمِكَ المُعْلَن
علَى رُؤوسِ الأشهَادِ يُعْلَن
زمَنٌ لِبقايَا الحُرُوف
زَمنٌ يُسقِطُ كلّ المسَاحِيق
وزَمنٌ آخَرَ يُعلِنُ الآنَ ألاّ اسْتِعارَاتٍ لِلأسْمَاء
زمنٌ لا برَّ له
إلاّ احْتِضَارًا يُفدَى بِألفِ احْتِضَار
وحْدكَ تَهْذِي ..
لسْتَ تَدرِي بِأيِّ الدَّمْعِ تنْعِي لحْظتكَ المَرِيرَة
سمَاءُ الغيْمِ خُطوَتكَ الأخِيرَة
وأوّلُ القَطْرِ عبَرَاتٌ وَقتَرَات

عِنْدَمَا أَعْبُر هَذَا اللَّيْل
أُصَاحِبُ فِي الحَنِين سَيِّدَتَين
الأُولَى فِي مُقْتَبَل الأَنِين
تُشْهِرُ ظَمَأَهَا كَمَا تُصَفِّفُ شَعْرَهَا
يَخْجَلُ مِنْهَا مِلْحُ البَحْر
وَالثانِيَة طَاعِنَة فِي الوَجَع
كَمَا التُّرَاب فِي أَحْلاَمِي
رَصِيفُ العَتَمَة اسْتَبَدَّ بِه العَبَث
يَبْتَلِعُ اتسَاع المَسَافَة التِي سَكَنَتْنَا
قُلْتُ لِنُشْهِر رِدَاء الثَّرْثَرَة
وَنَسْتَدِّر مِن خَرَابِ الذَّاكِرَة

عندما ترجئ السماء
في صدرك ظمأ الفصول
وركام الحنين غدا يتجاوزك
وما تقد من تفاصيل الرماد
لا يطفئ عين الشمس
فأنت الموجوع بلون التراب
الفراغ يمج انكسار زنبقة صامتة
 كالقلاع النائية تبتلع رائحتها
لتنفق هذيان الانتشاء على الغبار
 فانحني بإجلال لتمثال الصمت
القيود تعشق شظايا البوح الشاردة

العراق الذي فرَّ من نفسهِ
مرَّتينْ
العراق هنا ..
وهناك..
وأينْ ..؟!
لم يصدِّق بأنَّ اليدينْ
صارتا بينَ بينْ
لم يصدِّقْ
بأنَّ تواقيعنا
فوقَ كفيهِ دينْ
العراقُ الذي فرَّ من نفسه

جاءت من البستان مسرعة
بثوب أخضر مزركش
كأنَّها صدفة تقد شوقي
كنت أجلس وحيداً
كانت ممتلئة برائحة طفولتي
كأرجوحة العيد
وصوتها
يتناسل ظمأ في الصدر

تنهض حوريات الرَوْضُ
من سباتها

قالت
من أين ينسدل ذاك العتم
على نوافذ قلبي
ومن أي شوق
يتسلل هذا الحنين
كعصافير الأنهار
فوق أغصان الماء
قلتُ
نبضي يتدفق
بتلات على رحيق ضفافك
لكنّي إن لم تفيض ضلوعي

أيها الشاعر الضال
كلماتك لا تنذر مسيرة القوافل،
فتلك القطعان تحب أن تساق إلى مذابحها،
وتعشق أسواقا تباع فيها و تشترى..
أيها الشاعر الضال..
ستفنى وحيدا وجريحا،
و ستنزف دماؤك لتصير مدادا،
وقصائدك لن يُسمع إلا صداها
كنباح كلب في فراغ الصحراء..
أيها الشاعر الضال..
لا تسأل عن الزهر و الشجر،

خبأت قلبك في صدري
حضنت حبك
رسمت وجهك
بألون أحلامي
وشغف  نضالاتي
شممت الكذب في حبك
في همسك
فلا تلمني إن رحلت
ما يجمعنا أكبر من الذكريات
فلا تعاتبني 
إن قلبي ذبحت

لو جاءني غد بفرحة
لا تسكنين بيوتها
ولا تعبرين أزقتها
ولا تتجولين بحدائقها
لقلت لشمسه انطفئي
فسمائي ترفض نورك
ووجهي ليل تعشقه النجوم
لو من نافذة النكران أطل علي
نجم الصفح
أمام عيني أو من وراء ظهري
لحفرت في ربعك القديم

طفلا.. حجرا .. غصن زيتون
اتركيني كالهواء طليقا
ولا تسيئي الظنون
أشعل لأجلك قلبي بركانا .. لهيبا
وأفديك بالأهداب والعيون
أحضنك بين ضلوعي ..
كما الأم الحنون
دعيني أخرج من صمتي..
أمسح الحزن عن جبينك
أتحدى قيود الراقصين
على حبال الخوف و الجنون

كل الفراديس جذلى حين لقياك
  فتبختري يا ديم في ممشاك
واستبشري بثياب عرس حاكها
  ملك النعيم ولم تحك لسواك
ما أسعد القبر الذي ضم الصبا
  وأحاله قصراً بريق سناك
ما أرحب العدم الذي تطئينه
  أضحى وجوداً بعد وقع خطاك
هذي الحياة تسربلت بسوادها
  واستعبرت من شدة الإنهاك
مسلوبة المعنى مفككة العرى

حين يستيقظ الحلم
وليس معه زاد للرحيل
وما يحمل من جمال الوجع
إلا الأنين وضراوة النزيف
حفنة الدم تغسل وجه السماء
الوحل الموجوع يرتدي عراه
وصراخ الموتى يتناسل
بعض ألوية الحكمة بلهاء
تمحو شكوانا برماد الجثث
تتقمص وجه الصمت المطلق
لازال للحلم في جسدي

سارق الأحلام ....مر من هنا
سارق الفرحة...كان هنا
في قلبي
في روحي
عاش متخفيا بين تضاريسي
لو كنت أعلم  أنه سارق
مافتحت له أبوابي
ماكنت أدمنته حد الفناء
لو كنت أعلم أنه صنف...من البشر
ماجعلت منه قدرا
كم كنت حمقاء

حملت جسدي وبعضا من الهذيان
قلت لهم لن أشهر هراء الأمس
لَا أُرِيدُ مِنَ السماء إِلَّا بيتنا القديم
 ووجه طفولتي التي لم تسكن هناك
ودمى أمي النازفة
وأرجوحة أبي المصلوبة
السماء تمطر بخبث ورصاص
جسد المدينة تردى
ورماد جثت مفحمة
ترسم وجه طفل راعش
جرعة انتماء جفت في كف الرحيل

أنا المدججة بحروفي
المتلبّسة  بالمجازفات الأنيقة
محمومة بريشات التمرد
بصعاليك الانكسار مقيَّدة
تخلخلني 
عجائز الهندسات المتآكلة
و الخطاطات المهترئة تزعجني 
وتسلّق المقامات بالعبثِ
أكيد يعنيني
أنا بذرة الرَّواء
في الصحراء أينع

تغيب المشاعر أيضا..
كما تغيب الطيور في أيام الشتاء
حين تدفعها الندرة والبرد للرحيل.
فيصير الجسد فارغا،
كأرض جرداء لا حياة فيها
تُسمع فيها أصوات قوية،
كانفجار يمرُ بسرعة،
 يترك وراءه رعبا كالرعد.
تجوع المشاعر أيضا..
فتصير كذلك الوحش الذي يسكن في معدة خاوية
 يعلن بصوته،

أيها العاق...قلبي
طريق النار...طريقك
طريق الشوك...طريقك
انت موت خطفني...مني
هذا العاق...قلبي
 يحن يحن 
 يحن إليه
هذا العاق...قلبي
يكتب نار العشق بحروفي
يمتص رحيق روحي
يعريني ,يفضح شوقي

يحدثُ ..
أن تُخفيَ في عينيكَ الملحَ ..
وتكتمَ جُرحكَ مُبتسماً ..
مثلَ الأصنامِ الخرساءْ

يحدثُ ..
أن تُقسمَ باسمِ باللهِ لميثاقٍ وطنيٍّ ..
ثُمّ تبيعَ العهدَ بجلسةِ عهرٍ -وطنيٍّ- وبغاءْ

يحدثُ ..
أن تتلوّنَ ..