أنفاسكبريـــاء:
 أمسكت يدي تسحبني إليه:
- أرجوك، إنه يصارع الموت، واسمك بين شفتيه مع  كل أنة.
 - لا أستطيع.. ذاك ماضٍِ بعيد.
 -  ساعديه، ليغادرنا في سلام.
طأطأت رأسي خجلا أمام صمت امرأة اتشحت بالسواد
- سامحيني.. سرقت زوجك أعواماً.
- سامحتك منذ زمن..
- الحب عطاء..
 - أحَـبّكِ، فضحى بنا.. وأنا أحببته، فصنت عائلتي..!

أنفاسمات الرجال منذ أمد، وبقيت الأرامل واليتامى واللئام ، والأرض ساحة ، والدهر مدى له في مصائر البشر رأي ويد.
وعاش أحمد وإخوته وأبناء عمه وخالته اليتم والفاقة ملتصقين بالأرض التي مات من أجلها أبوه وعمه وخالته،  في قرية بيوتها من طين وقش ؛ مندسة بين أشجار الصنوبر والزيتون وبعض شجيرات اللوز المتشبثة بالجبل تمسك تربته وعباده من الانزلاق نحو المنحدرات السحيقة ؛ قرية معزولة معلقة بين السماء والأرض  ملتصقة في وجه جيل منحدر  يكاد ينتصب عموديا ، بلغ من انحداره حدا أجبر جميع من مر به ومشى بأديمه على السير على ثلاثة ،لا بصلح إلا للفارين من المغضوب عليهم  والمطاردين ؛ والضباع والذئاب والكواسر؛ أراضيه وعرة جعدة مشحاحة ولكنها منحت للصابرين بها  زيتونا مباركا ولوزا يعزيهم  ويسر الناظرين من بعيد.
عاش الجميع على أمل أن يلقوا يوما جزاء التضحية والقرابين التي قدموها لكن الدهر أبى وطال التصاقهم  بمنحدارات بني جعد يتدربون على احتمال الشدة والنصب وألم المعاناة ، ومن الطفولة الرخوة الطرية تشكل رجال أقوياء ، في سلوكهم صلابة وتحد تشبه كثيرا صفات أبائهم ، لكن هذا الدهر غير ذاك الدهر وللدهر في الخلق أحكام.
لم يتمكن اليتامى من نيل حظهم في التعليم ، فما كان بمقدور الأيامى مفارقة اليتامى ، وما كان اليتامى يدركون معنى العلم .

أنفاسأيحسبه استهزاءا ؟، متى كان له مثل هدا الحق؟ ، أغبياء ، متأكد من أن ارتسامات وجهه هي التي خانتهم ، يعتقدون بل و يجزمون أن بإمكانه فعل ذلك ، كيف لا وهو يبدو سعيدا ، ضحوكا ، لا ... إنها صيغة داهية، يتفنن في ارتداء حالة اليسر ، يحلم بما يريد ويتفوق في الإيهام .لكنه الآن يشعر بايهاماته تقف ضده.... أليس موضع شفقة وهو يستقبل صفعات تدعوه إلى الاستجمام في منطقة ما ؟.يعانق الحلم هنيهة لكنه يستفيق على وقع خطوات الواقع .
- ننتظر منك يا ولدي ما تسد به رمقنا.
- نعم نعم فهمت.
 - وننتظر منك ان تخبئ بعض الدريهمات لتشتري كتبا و ملابس لدخولك المدرسي المقبل .
- نعم نعم فهمت.
 وننتظر منك يا ولدي أن.......
- نعم فهمت ، نعم فهمت.

أنفاسعشقه للحروف لا يضاهيه عشق ..
صحيح أنه أحب وتعذب وذاق مرارة الهجر حتى كاد يكفر بكل شيء .. غير أن عشقه للحروف ظل راسخا لا يتبدل.
وهاهو "النيت-NET" يفتح أمامه بابا من أبواب السماء .. عالما زاخرا بالحروف الزاهية الأشكال والألوان .. أنشأ مدونته وأغرقها بكل ما جاشت به حياته خلال السنين الثلاثين التي عاشها على الأرض حينا وفي عالم الحروف أغلب الأحيان.
ظل يتجول بين المواقع والمدونات صائدا مقيدا إلى أن وقع بصره صدفة ذات يوم على مدونتها.
فتاة في العشرين .. جامعية .. مليحة الوجه .. دافئة ابتسامتها  وفي نظراتها ثقة و دعة ..أما كتابتها .. حروفها .. يا الله ..إنه لا يعرف كيف يصفها .. هذه الفتاة لا تكتب أفكارا .. لا تتفلسف ..لا تحاول أن تقنع أحدا .. كتاباتها نوع من الخواطر الصافية المشرقة .. روح شفافة بريئة تنساب مثل جدول رقراق على الصفحات فتصيب عدوى الابتهاج والسكينة كل من يلامسها.. حتى الحزن لديها يبدو شفافا كأنه الفرح.

أنفاسوالتقينا مرة أخرى...
كانت كما القمر الذي اكتمل نضوجه، فارعة، سامقة. وجنتاها صبغت بحناء تناسق مع تلك الخصلات الكستنائية اللذيذة. تغني مواويل وتضرب العود (أووف يا وطني أووف)، ونحن نردد خلفها بصوت مرتفع (أووف).
لم تكن تنظر إلى أحد سواي خلال تلك الجوقة الملتفة حولها كطوق كبير، ربما ظنت في قرارة نفسها بأنني الوطن الذي سيحتضنها، وعندما ستراني فإنها سترى قلاع المخيم كلها، لكنها –ولسذاجتها المحببة إلى قلبي - ترفض أن تفهم أنني لن أعود إلى رحاب الأهل والبندقية. أخبرتها بذلك قبل وقت قريب، حين حصلت على إقامة في هذا الفراغ المريب المسمى فرنسا، سألتني يومها متكدرة:
- أسنعود للوطن؟!
لم أعرف كيف الجواب، حارت قافلة الكلمات في الخروج من قمقمها، راودتني صور شتى، أي وطن تريدين ونحن نمكث في صومعة من حزن، كررت سؤالها كغبي لن يفهم، هل أقارنها بي؟ وطنها بوطني، حدقت بوجهي وقد بدت علامات الارتياب تتملكها، لحظتها كأنني تأوهت من برد حاصرني، أو من شيء لا أعرفه الآن. قالت:
- أأنت مريض؟

أنفاسالطقس شتاء والمدينة مغطاة برداء أبيض ناصع، يبرق بريقا جميلا مع أشعة الشمس. وقف (غريب) بأعلى منطقة ب(هولمن كولن). رفع عينيه إلى السماء يبحث عن غيمة أو سحابة أو ربما أمنية تتحدر عبر سماء من الحلم. سرح ببصره المحيّر إلى فضاء المدينة. يرى وجوها متعددة الألوان. بعضها تشع حيوية، أخرى ترتعش بجنون، وجوه هشمتها تجاعيد لزمن طويل من الغربة والأسى، للبعد عن الوطن ووجوه ممسوحة من الملامح ممسوخة لاتعرف هويتها. من تلك التلة كان (غريب) يفترش قلقه المضطرب، على بساط الثلج، يجوب حذرا على أعقاب الزمن الذي أجهض أحلاما، ولوث رغبات.و آمال مزقتها انفجارات الوعود المبتلة بالسراب وأخرى التهمتها أمواج سحبتها تيارات لتنتهي في بطون حيتان "الخلاص". نزلت قطرات شاحبة على وجنتي غريب التي أصابها الجفاف. قطرات تحترق حسرة وترتعش بالجنون لذاكرة الماضي والحاضر الذي يجمعهما حضوره المدثر بالوجع القديم والخوف من الآتي. كان يلملم هدوء سكونه المفتعل في صمت، جاثيا وكأنه يصلي لحلم مخنوق، يبحث فيه عن سكينة تمسح عن روحه دموع المنفى وشرود العزلة القاتلة. تطلع إليها والحزن يرشفه، تصنع ابتسامة تفضح استياءه المتراخي على جسده المثقل بلا شيء . أحس أنها تعيش فيه كل يوم ويعيش فيها. تسجنه بقيودها ، بسحرها الغامض. هي كريستيانيا التي أوقعت الكثيرين بسحر جمالها فتضاربت آراء عشاقها بالمد والجزر، هناك من ذاب في كأس ثمالة عشقها فرمى حقيبة الماضي بكل ما فيها من متاع وآخر أحبها بصدق فأعاد بها أختلاق نفسه.

أنفاسفي ركن قصي من أركان مقهى النهضة ، بعيدا عن أنظار الفضوليين والمتطفلين ، جلس فرحان وحيدا يرتشف قهوة الصباح ، وبين الفينة والأخرى يحركها ببطء شديد . حرص فرحان على الإتيان باكرا على غير عادته ، لقد كان يعلم أن اليوم سيكون استثنائيا ،  على الأقل بالنسبة لرواد المقهى ، فهم سيشهدون افتتاح الألعاب الأولمبية ببكين.
بدأ المكان يضيق بالرواد والمتفرجين ، وطفقت الجلبة تزداد شيئا فشيئا ، حينها انتاب فرحان إحساس بالتبرم والانزعاج ، خصوصا بعد أن شرع النادل في تنحية الطاولات ليتسع المكان للمزيد من الجمهور.
اشرأبت الأعناق وتعالت الهامات لمشاهدة صندوق العجب الذي وضعه رب المقهى بعيدا عن متناول  العابثين ،  ابتدأ  حفل الافتتاح ....آلاف من الصينيين يبهرجون عش الطائر العملاق ، ليمتعوا الحاضرين والغائبين بلوحات فنية ، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها خرافية ، بهروا بها العالمين.

أنفاسبعد ليلة مؤرقة لم اـذق فيها طعم النوم ولا رائحته ان كانت له أصلا.أفقت منهكا بعد أن غفوت في وقت متأخر من الليل.الصبح بافلاقه كسر عتمة الليل الحالكة.بدأت الشمس ترسل أشعتها إعلانا بميلاد يوم جديد.حركة صخب في الحي الذي اسكنه بدأت مع الساعات الأولى من الصباح ساهم بدوره في تبديد النوم.تساؤلات ملحة في الداخل لا تريد ان تبرح ليلتي إلا بعد أن تكدرت متعة الغط في نوم مريح.ومما زاد من سهادي صراخ سكير اقام الدنيا ولم يقعدها بصخبه الراعد.أزاح سرواله كاملا وبدا عضوه يتهدل.جبلة أيقظت الناس رجالا ونساء.فهبوا إلى شرفات دورهم يتابعونه ويرمقونه بنظراتهم الواجمة.وشوشات وأحاديث صغرى تجول فيما بينهم تشي بفضول زائد لمعرفة ما يحصل...  
أهازيج عرس في قاعة حفلات بقربي ملأت بإيقاعها أجواء الحي والرجل السكران المنتشي بعربدته يواجهها بصخبه العالي.اعتقدت ان حبيبته تركته وتزوجت اخر واتى هو في منتصف الليل يزمجر.بدا ينزع ملابسه قطعة قطعة ليواجه بعريه نغمات الاحتفال الدي توقف مرارا ليسترسل في بث روح اخرى في ليلة تنقضي.تمنيت لحظتها لو كنت مثله في عري وحشي امام حبيبتي لاصرخ لها بدوري على انني لا امتلك سوى هاته الدماء التي تفور في عروقي بحبها.تمنيت ان تسلط علي قوة باردة ما ورائية توصلني الى مشارف الموت وتلقي بي الى هاوية الحنق والحتف الابله...

مفضلات الشهر من القصص القصيرة