تحت السور – قصة : أحمد السبكي
كان العارف يتوجه كل صباح صوب سور مدرسة قديمة ، فيأخذ مجلسه في مكانه المعتاد ، ثم يخرج من تحت جلبابه قطعة كبيرة من ورق الكرتون ، ويضعها فوق حجرة مسطحة ،كان يحرص على إبعادها عن الأنظار بعد قيامه ، حتى لا يعبث بها العابثون ، ويذهب بها الفضوليون من محبي الجلوس على الطرقات ، ثم يخرج غليونه القديم ، ينظفه ببطء مقصود ، ثم يملأه بوريقات من التبغ يمزجها ببعض الأعشاب التي يسهر على جنيها بعناية ، ثم تجفيفها و طحنها لتصبح شبه غبار يزيد من انتشائه ، وضبط مزاجه الحاد.
ولا يلبث أن يوافيه أصدقاء الأمس ورفاق الدرب ، فواحد يطلب منه اقتسام نشوة تدخين الغليون ، وثان يلح على سماع حكايات مغامراته إبان الحرب الهند الصينية التي يتقن سرد أحداثها بشكل أسطوري، يضاهي به رواة سير المغازي وأبطال أيام زمان. وثالث يحاول استدراجه للتعليق على الغلاء الفاحش المستشري بالبلاد ، والفساد الذي عم البر والبحر ، ورابع يحاول لفت انتباهه لأحد المارين ، بعد عرض سيرته وسيرة آبائه وأجداده الأولين والآخرين.