أنفاسضرب الجفاف البلاد طولا وعرضا...واعلن ان سيادة الرئيس سيلقي هذا المساء خطابا بمناسبة عيد النصر، وتساءل المواطنون  :اتراه سيكون خطابا روتينيا كما جرت العادة ام سيكون خطابا استثنائيا هذه المرة ؟
وتاخر الخطاب عن التوقيت المعلن ، الشيء الذي لم يحدث ابدا منذ ثلاثة عقود ، وظل المواطنون ينتظرون امام الشاشات في البيوت والمقاهي ، وبما ان السيد الرئيس تنقل الى الخارج عدة مرات خلال الشهور القليلة الماضية ، وان السيدة الاولى شوهدت حسبما اشيع ،تسير لوحدها في حدائق القصر واجمة حزينة ، فقد ازدادت حيرتهم ...
وظهر اخيرا السيد الرئيس ، بدا قلقا  ومتعبا ، وخطب فترحم على الشهداء واثنى على المقاومين وكل من اريقت قطرة من دمه على تراب هذا الوطن العزيز، واضاف بانه بفضل هؤلاء يعيش الشعب الان حرا كريما ، ثم اكد ان البلد يعاني حاليا من كارثة الجفاف ، وانه يجب على الجميع ان يقاوموه كما قاوم اجدادهم العدو بابسط الوسائل المناجل والمعاول..
وبحماس كبير قال بالحرف : ونحن كذلك سننتصر ، ولدينا السلاح الفعال لذلك ، به انتصر الانبياء والرسل وعظماء الناس امثالنا ، انه الصبر.

أنفاسفكر قليلا ..ثم شرع في الكتابة ...
ــ انتظر أيها البليد ..(قال لنفسه) .. لا وقت للناس للتعثر في مقدماتك .. هذا زمن المباشر .. كل شيء يتم مباشرة وعلى المباشر .. حتى القتل والشنق .. وإذا كان العيد قد حل ذلك الصباح .. فالذنب ذنبه لا ذنب المشنقة...
ــ اتركني أكتب .. (قلت لنفسي) .. فمقدماتك أطول من مقدماتي وأنا لا أريد الكتابة عن أولئك الذين ترك كل واحد منهم مديته وبيته وخرج إلى الشارع منتحبا ..لأنه رأى في وجه كبش العيد وجه صدام...
سأبدأ هذه القصة مباشرة بحوار لأستهوي القارئ .. القارئ ثرثار يحب الثرثرة وإلا لما كانت هناك كتابة أصلا .. الكتابة مورد رزقي يا ناس.. و بالكاد أصبحت أتقوت !
ــ مرري طبق الخبز من فضلك .. قال الأستاذ بلطف وأدب للمرأة الأربعينية الجالسة بجانه.
ــ خذ .. ولم تلتفت إليه حتى ..ظلت منهمكة في الأكل بشراهة.
ــ أمي ! صرخت الفتاة في غنج و دلال .. أحدهم يعبث بقدمي تحت الطاولة..
ــ معلش يا ابنتي ..  مجرد حادث .. قالت الأم وهي تتصفح وجه شاب بعينه..

أنفاسكادت أن تتراقص فى الهواء كأنها فراشة انعشها الضوء حين استعدت للرحيل
كان حلم السفر فى كل حركاتها وفى عقلها الباطن
كانت تخفى عشقها لتقاليد الغرب وان كان لسانها ولكنتها الغربية يفضحان ما تخفيه
كانت ترسم للغد الف خطة وقررت ان تنجب فى بلاد الغرب لتمنح لوليدها جنسية غير المصرية
**
اعدت حفلة خاصة واستاضفت كل صديقاتها
تهامست الفتيات عن ملامح الغرب .. الحرية .. الموضة .. عن الحضارة
كانت تردد دائما انها مثل العصفور السجين
كانت تريد ان تتمرد..  ان ترقص عارية ..ان تتجرد من كل تقاليد القبيلة
**
كان والدها مدرسا للتاريخ .. لطالمها ردد على مسامعها قصة الاجداد وتاريخ الوادي

أنفاسحاولت ان اتذكر الذي حصل لكني بعد عدة محاولات ايقنت اني غير قادر على معرفة تفاصيل الحادث.
في تلك الليلة خرجت بعد ان شعرت بضيق التنفس وآلام في صدري ، وبينما كنت اسير في ازقة الحي وجدت نفسي في زقاق ضيق لم ألفه من قبل ولم اشاهده، تعجبت كيف لم امر بهذا الزقاق ؟ على الرغم انه لم يبعد عن محلتنا كثيرا. كانت هذه الافكار تراودني وانا عند مدخل الزقاق لكنها انقطعت حينما سمعت صوتا اجشاً مبحوحاً يوحي بالكآبة والانطواء يقطع عليّ تأملاتي في هذا الزقاق
سألني ؟ و ِِلمَ تستغربه ؟ انه هنا منذ زمن طويل لكنك انت من لم يره.
لم يدع لي مجالا للسؤال او الاستفسار واشار اليّ ان ألزم الصمت. ما الذي جعلني لا اتكلم .. لم انطق .. لماذا استسلمت له بهذه السهولة واصبحت منقادا اليه ؟ ما السحر الذي يملكه هذا الرجل؟ المسن اصفر الوجه كأنه جاء من اطراف العالم وكأنه لم يذق قطرة ماء منذ سنين. كيف قبلت السير معه داخل الزقاق؟ هذا مالم ادركه حتى هذه اللحظة. وحينما سألني المحقق بعد عشرين عاما كيف تعرفت عليه وكيف دخلت الزقاق معه لم اجبه لان الاشياء في حينها لاتبدو اكثر صورة ووضوحا.

أنفاسكز على أسنانه من الغيظ….كز عليها  بشدة حتى سمع طقطقتها بين فكيه … قرر أن يذبحها من الوريد إلى الوريد ..
منظر رائع أن يرى جيدها المصقول ، وصدرها الناهد متسربلين بالدم .. سيسمع أنينها الموجع ..ولكن لن تذرف له عين أو يرف له جفن .. أيعقل أن تخونه مع مخنث ــ كما أسر إليه بذلك  صديقه الحميم  مصطفى العباسي ــ بعدما قضت معه ثلاث سنوات  بين أحضانه دون زواج شرعي ؟؟ ظروفه المادية ومعارضة أهلها ، حالا دون الزواج الشرعي .. رضيا بالواقع ، فتحديا القيم والأعراف السائدة.. فكانت تنام بين أحضانه لمدة ليست بالقصيرة.. نعما باللذة المسروقة من غفوة الزمن، ما شاء لهما أن ينعما ..
كانت بالنسبة إليه في هذه السنوات الثلاث الملجأ الوحيد من عبثية الوجود … وكان  يمثل بالنسبة لها، الحب المثالي  الذي لا يعتريه النقص .. لم يصدق ما سمعه عن خيانتها مع ذلك المخنث … أيعقل أن تطعنه في فحولته ؟؟ هذه الفحولة التي يتباهى بها أمام زملائه ، بأنه يستطيع أن يضاجع امرأتين دون كلل أو ملل ... القذرة تستحق الذبح من الوريد إلى الوريد ..
سيشحذ السكين بكل ما أوتي من قوة .. وسيفصل رأسها بكل ما أوتي من برودة دم .. اللعينة خانته مع مخنث .. أيعقل هذا؟

أنفاس"لا شيء ارق من الماء,ولا شيء أقسى منه واعتى.حقا أن الحقيقة تبدو مثل ضدها" لاوتسه
لما تزمجر الطبيعة بصخبها,وتفتح السماء محابسها بفيوض المياه المدرارة,وتطفح الوديان بسيولها الجارفة,فان شعورا غريبا ينتاب الإنسان وهو يتأمل بعيون مبهورة عظمة الجبال وهي ترسل من قممها دفقا يكتسح الأرض الجرداء,وتعصف بقوة خارقة كل ما تصطدم به لتغدو الطبيعة بجلالها مرادفة لشيطان أبله يفتك بالوجه الآخر لها,الهادئ,البديع,فتصبح الفوضى العارمة باختلافها الموحش صفة ملازمة لها
تكسوها حلة غريبة من جمال ساحر...                                                                               
هناك في الأعالي بعيدا عن القرية النائمة في سبات مستديم,تجثم أعلى قمة جبلية بهيبتها وسط أدغال وعرة.القرية محاصرة بالجبال من جميع جهاتها وتحف بها وديان متاخمة لحدودها تمنع امتدادها.شعاب ترسم أخاديد على وجهها اليابس والجاف.اصفرار يلونها بأصباغ الحزن الهامشي, الدفين في تربتها كسر من أعصى الأسرار.نباتات الشيح ترقصها الريح على نغمات الفجاج التي تنفخ أصداء زمهرير ها في الامتداد الذي لا يحده البصر.سكانها ينتظرون الشيء الذي لن يأتي.

أنفاسكنت أعلم أنكِ الأجمل بين الحضور يا صغيرتي , ليس كونكِ ترتدين فستان زفافكِ ووصيفاتكِ يرفعون أكمامكِ البيضاء والملائكة الصغيرة تحمل شموعكِ , والمصاحف تبسمُ لنا بين الخزامى, بل لأن أحزان الزهور وجمال الملائكة يندرأن يتقاطعا في وجه أميرةٍ معلقة إلى صليبها في فستان زفافها ..
لم أشهق كالجميع حين ترقرقت دموعكِ وأنتِ تقطعين الكعكة , وسقط السكين الزهري من يدكِ فألتقطته ووضعتُ يدكِ الصغيرة في يدي كي نكمل تمزيق قلوبنا دون ضجة والهمهمات سهام سددت نحونا  , فقلبي الشاهد الوحيد على مسائكِ الأتي , على الأيدي المتباعدة فوق الجسور المحطمة , على وداع الحمائم للحمائم ذات عاصفةٍ ماجنة ..
راقصيني فقد كبرتُ كثيراً وحزنت كثيراً ,أحتاج لبعض الفرح كيما أعبر أنفاقي المتناثرة خلف أستار الفصول , لكل الجمال الذي أقاتل أشباح الحياة دفاعاً عن براءته , وتحتاجين لكل الفرح في حفل زفافكِ , تمايلي صغيرتي .. إبتسمي .. لا تطالعيني كثيراً فأنا أودع ثلاثيني وأنتِ كل الرقة الواقفة خلف أبواب العشرين  ...........,

أنفاسالمكتب واسع وثير. النظارة فوق الأوراق تلمع. على مهل أتى، بهدوء مهيب جلس.  في هدوء أيضا يده تمتد، تضع النظارة. بسرعة يتصفح الأوراق، وبالقلم عليها يوقع.
رشف من الفنجان أول رشفة، شفتاه على نكهة الهيل أطبقت، وحبس تنهيدة لو فلتت من المؤكد ستكون حارة، وطويلة.. وراح يكح. للحظة في بذلته الأنيقة ضم جسده، ثم نفشه وأبقاه منفوشا. ثم راح فمه يبذل أقصى جهد لعصر تكشيرة استقرت ذيولها فوق الحاجبين، وما لبثت أن امتدت إلى فروة رأسه، رأسه الأصلع. بعدها أخذ رشفة قهوة أخرى. أشعل الغليون، ومص الشفة السفلى، وكز.
جاوز الخامسة والسبعين، طويل وابيض، عوده سميك، له نصف كرش، وله بعض شعر أسفل أنفه، بالكاد افلح في صنع شارب صغير، تخلله سواد. ها هو أمضى ما يقارب نصف عمره وزيرا، ويشعر أن زمن عمره كوزير كان قصيرا جدا، كيوم، كساعة، كلحظة.. واليوم هو آخر يوم له في الوزارة.. فلكل شيء مهما طال نهاية، ولكل بداية أجل.. ولأي شيء زمنه الخاص، الذي فيه يعيش وبه يحس. وغدا سيطلع على المعاش، هذا صحيح.. فأدرك أنه حان وقت نزول النظارة عن عينية، وأدرك أن النظارة بالمرة لا تدوم، ولكل نظارة كتاب.. وأدرك أنه بما تبقى له من عمره كوزير أبدا لن يكون.. وأمورا أخرى أكيد أدرك.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة