وحين أغوص في ذاكرتي المنهكة
ويأخذني الحنين إلى مدائنك
أنسج من الملح لوحة بياض أسجيك بها ..
هنا كان أنا
وأنت
وعمر امتد ..
على الطرقات طرق أقدامنا ..
قطعنا المسافات بين حاء وباء ..
هنا احتسينا كوباً من القهوة ..
هنا جلسنا نرقب وجوه العابرين  ..
هنا كان للصمت أجمل حديث     ..

هنا الأرض ..
هنا الأرض تنتحب الغياب..
وهناك محراث صلد في الفناء
ودولاب ساقية معلقة بلا ماء
وشجرة لوز أصبحت أشلاء
وزيتونة ترقص مترنحة
و بقايا محراب ومئذنة
و أنين  خفي تشجو به حمامة
و صدور أضناها الحنين
***
آه يا وطني

تطفو الأماني …
 فوق الموج الأزرق
تائهة، حائرة، تعانق الأرق،
دموعي لم تعد تكفي…
 بعد رحيلك،
خلتها أنا ستنهي وجودك،
لكن وجودك يرفض الرحيل،
هو مصر على البقاء،
فما الحل ؟
ها أنا أساهر الشقاء،
لم يكن الموت كافيا لرحيلك،

"حياتنا فيك موت
وموتنا؛ لك الحياة"

زجاجية العيون: "هي"،
ثَلِجَةُ الأنفاس.
بَارَ جمر الوقت؛
بَعْدُ ما نَضَجَ العناق.
وَدِّعْ وداعك،
وانصرف كافرا،
بكل صلبانك.
عُدْ أدراجك!

حينما تجابهني جميلة الجميلات!!
وحينما تكبحني تلك النظرات!!
تتناسل على الشاطئ آلام الطعنات
وتتراكم في البساط آثار نكبات
تتجسد في شعاع الغروب وجوه ومسميات
وقبالة سواحلي صور سفن حرب وغواصات
طائرات استطلاع ونداءات
والزمن يعصف بالروح... يصوب الضربات
كواكب مهجورة تسكنها هضبات
تتخللها انهار وصخور ونيازك...وبقايا مذنبات
وحينما تعرض الدقائق تلك اللوحات

ما الذي أعشقه
في هذا الغموض؟
كل الزوايا
يحبسها الذعر...
كل النوافذ
تستعد بشغف
لمعانقة الصباح...
فقط وحدي سأبقى  
   أجوس في هذا الغموض..
أملأ صدري بعواصف الحزن
كل الحزن..؟

لَا تَلُمْنِي إِنْ مِتّ
فَإِنِّي سَأَمُوت
لَا تَسْأَلنِي لِمَ هَذَا الْجَبَرُوت ؟ !
لِمَ هَذَا النُّكْرَان ؟
لِمَ هَذَا الْاِنْكِسَارُ وَالسُّكُوت ؟ !
إِنْ مِتُّ فَلَا تَسْأَلْنِي أَيْنَ أُدْفَنُ ؟ !
يَقُولُونَ لَكَ دَعْكَ
احْذَرْ أَنْ تَسْتَسْلِمْ لَهُم
أَنَا أَعْرِفُ؛ أَنَا أَعْلَم
هُمْ لُصُوص
فَلَا دَاعٍ لِلْفَهْم

حر يأكل ذاته
وجسم يمتص أعضاءه
وريح تنفث غبار بقايا الوهم
ليستريح الكون من زكام الجاذبية
مهلا لنستمع للآهات ولنتجدد
نحيى بهم
نحترق بغيابهم
من غيرهم وحدة وفراغ
بعد موت قريب
أو حزن صديق أو رفيق
التواصل ينسف آياته

سأضع لي قبرا
عند هذا المتكأ
وَقْفًا شامخا بين الصخور
ابحر بين دفتيه والجذور
الى ابعد مكان بين الربوع ..

سأضع لي قبرا
بين الأوراق والجسور
عند مطلع اول شمس
عند انكسار اخر قلم ..

يحل الشتاء الأسود مهرولا
فتحتل سحبه كل أركان السماء
وينتظم البرق و الرعد في لا انتظام
ليبدأ قصف الأنفاس البريئة.
تنسحب كل الزهور المتبقية  باستحياء
تتكون وديان وبرك هنا و هناك
وتجرف معها أوراق الشجر وهي تحتضر
على أديم الأرض جراء لامبالاة الخريف.
انتظرنا إطلالة الربيع
كي ينبعث صفاء أرواحنا بزحفه
و تشتعل الأرض زهورا

الفرس الحرونْ،
والكأس الثملة.
وأنا الحزين، والوسادة الخرقاءْ ..
نعتلي سفن السندباد،
نبوس الفراشات في صمتنا الأخير ..
كنتُ هناك والمُدية .. ونار حصار
أكتب لعنة هاديس..
أرسم وجه تموز
أراقص أفعى على هواء ناي أورفيوس..
وأنا من تسوًّر...
في مدن الماء .. .

لفْحُ الصبابةِ فيَّ لفْحُ هجيرِ
فالنارُ في قلبي وفوق حصيري
 
يا مَن يمرِّرُ ماءَهُ بحرائقي
أطفيءْ مياهكَ بعد كلِّ مرورِ !
 
فمُها الفطورُ يلذُّ حتى أنه
رغِبَ الصباحُ معي ببعض فطورِ
 
وتلفَّتتْ عينايَ : لا كأسٌ هنا ,
قالتْ : بلا كأسٍ تُعَبُّ خموري

لقبته قمري
وأقفلت السماء لكي يحل الليل أثناء الصباح
كم غيمة في الدرب تركت وحدها
و كم شعاعا باهتا اجتاز أعين آخرين
كم غروبا فاتني ... و كم سلاما من نخيل
فأنا فتاة تعشق الأزهار حين يأتي الخريف
و في الربيع تهوى الطيور
و في الشتاء ... تهدي الرحيل
تهدي السلالم نحو أفق لا يرى
تبني بلادا فوق هضبات القرى
تجني الكثير من القليل

عند النخلة الخامسة
تعرّى الحزن كشرنقة
تحت ثوب الموت
وصارت المآذن فراشات
حملت زفرات الجثامين وحلّقت
تبحث عن وطن

تسع هزال أقرب من الغيم المسمول
تمتشق جمر الإنكسار
مولودة من الرؤيا
وثلاث عاريات كشواهد القبور

أرسل لي على صفيح ساخن،
واترك لي التقدير و تمجيد الكفن،
كم من الطيور تسبح بين السحاب،
لتسقط في فخ الدجى والاغتراب.
كم هو جميل نور القرين،
حين يعد الصفع بدون افتتان.
 
ابحث لي عن مكان،
بين الصحون والأوان..
على اسم ونسب،
فهذا لبن سائغ للشارب،

في دهاليزِ المنفى
نفضتُ غبارَ السنينِ عني
وبدأتُ الملمُ أحلامي
المتعثرةَ بأحجارِ حطامِ الذكرياتِ
مشيتُ على ظلِ جسدي
الذي أتعبتهُ أزقةُ الرحيلِ
ابحثُ عن وجهِ امرأةٍ
يطلعُ من السديمِ
حينَ تاهتْ خطاي عن الطريقِ
وجدتُ نفسي على ضفافِ الدانوبِ
أسيرُ وحيداً ...

الصقيع والخنــــــوع
دون أنني لن أشارك في المهزلة..
أنني بَصَمْتُ أمس على القــــرار
وقلت لهــم :
كفاكم خذلانا
صقيع يغلف الأفئدة
يغشى الألباب التي كانت بالأمس
نيــــرة.
اقرأ عليهم أن صفحات الصقيع
تلونت بعملتهم النافقــــة
أن الزيف مر من هنـــا

صغيرٌ،
حملتك يا وطني،
تحت جلبابي المرقع،
صبية بظفيرتين،
تطرد معي الكوابيس،
و الأرواح الشريرة،
واصطفيت من أفراح الفقراء،
ما يكفيك،
صففتها في القلب،
و انتظرتك طويلا.
و حين لم تأت،

حين يستأنس الضوء ... محتضرا ً
في كوة المساء
أغادر ..
لأحثو على رمق التراب
شيئا ً من صورتي
وأسكنها
حيث تعرى الفصول
أتركها فوق تل من الريح
ترفع شاهدة الأرتحال
وسط التحام عيون إغترابي
أصلب صهوة الوقت